لماذا استقال “سفير صفقة القرن” في هذا التوقيت ؟
منذ توليه إدارة البيت الأبيض، بداية عام 2017، اختزل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سياسته تجاه القضية الفلسطينية في الدفع نحو إنهائها عبر ما أطلق عليه اسم “صفقة القرن”، والتي بات واضحا أنها تقوم على أساس ترجيح كفة إسرائيل في كافة الملفات.
ومنذ اليوم الأول لإدارة ترامب، تولى اليهودي الهنغاري الأصل، جيسون غرينبلات، منصب مساعد الرئيس وممثله الخاص للمفاوضات الدولية، وبالتحديد “مبعوثا خاصا للسلام في الشرق الأوسط”، أو بكلمات أخرى “سفيرا لصفقة القرن”.
ورغم ارتباط اسمه بالمشروع الذي يحتفي به كثير من الصهاينة المتطرفين، بقيادة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلا أنه قرر إعلان استقالته قبل أيام على انتخابات مصيرية في دولة الاحتلال، من المقرر أن يتم بعدها الإعلان عن “الصفقة”، ما يثير تساؤلات حول الأسباب والتداعيات.
دوره قال المحلل السياسي الفلسطيني، إياد الشربجي، إن الإعلان عن الاستقالة في هذا التوقيت الحساس، رغم عدم دخولها حيز التنفيذ بعد، يشير إلى استياء لدى غرينبلات إزاء “تعنت ترامب ونتنياهو في إدارتهما الملف”.
وأوضح الشربجي أن “رفض جميع الأطراف الفلسطينية وعدد من القوى الإقليمية للصفقة، وعدم إظهار نتنياهو وترامب أي دبلوماسية في تعاطيهما، تسبب بتقييد قدرة غرينبلات على الحركة في المنطقة والحديث مع مختلف الأطراف”.
وتابع أن تأجيل الإعلان عن الصفقة لعدة مرات، وآخرها إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية المقررة في 17 أيلول/ سبتمبر المقبل، يعكس في الوقت نفسه وجود تعثر وضبابية في واشنطن وتل أبيب.
وأكد الشربجي أن من شأن الاستقالة زيادة فرص فشل الخطة، “لا سيما بعد فشل شقها الاقتصادي المتمثل بمؤتمر البحرين”، الذي استضافته المنامة في حزيران/ يونيو الماضي.
وأوضح أن الخطوة تحد من مصداقية الصفقة وتماسك الإدارة الأمريكية أثناء طرحها أمام المجتمع الدولي.
وبغض النظر عن الأسباب والخلفيات غير المعلنة “إلا أن المهم أن واحدا من أهم مستشاري ترامب أعلن استقالته في وقت حساس جدا”، بحسبه.
تجدر الإشارة إلى أن مسؤولين أمريكيين تذرعوا بأن غرينبلات لم يكن يريد أن يعمل بالبيت الأبيض لأكثر من عامين، وأنه يرغب بالعودة إلى العمل في القطاع الخاص.
بدوره، علق ترامب على قرار غرينبلات، قائلا إنه “بعد ما يقارب من 3 سنوات في إدارتي، سيستقيل غرينبلات، لمتابعة العمل في القطاع الخاص”، مضيفا أنه “كان صديقا مخلصا ورائعا ومحاميا رائعا”.
وتابع ترامب في تغريدة عبر تويتر: “لن ننسى تفانيه لإسرائيل، والسعي لتحيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين (..)، سنشتاق إليه، شكرا لك جيسون”.
من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية، عبد الستار قاسم، إن غرينبلات “لا يمكنه العمل في الظروف الحالية، وبوجود أجواء تعادي الشعب الفلسطيني بالكامل، ما يعني غياب رغبة حقيقية بالوصول إلى حل”.
وأضاف: “الاحتمال الأرجح أن الرجل مثقل، لا يمكنه العمل بالظروف الحالية للإدارتين الأمريكية والإسرائيلية”.
واستبعد “قاسم” أن تكون الاستقالة تعبيرا عن الاحتجاج على الصفقة، وإنما “على البيئة التي يخلقها ترامب ونتنياهو في المنطقة”.
وتابع أن الخطوة بذاتها لن تؤثر بشكل كبيرة على مسار الصفقة، والتي توجد بالفعل شكوك حولها بالبيت الأبيض، بحسبه.
ورجح الخبير الفلسطيني أن تستمر واشنطن بالمماطلة في الكشف عن الملامح الكاملة لخطتها، حيث يسعى ترامب إلى جمع أكبر قدر ممكن من المكاسب، لا سيما على المستوى الانتخابي في رئاسيات 2020 المرتقبة، علما أن للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة دور لا يستهان به في تعزيز حظوظ المرشحين بالبلاد تقليديا.
وتجدر الإشارة إلى أن شبكة “سي إن إن” نقلت عن مسؤولين بالبيت الأبيض لم تسمهم، أن “غرينبلات، سيستقيل من منصبه بعد إعلان خطة السلام، التي يسعى ترامب إلى عرضها بعد الانتخابات الإسرائيلية”.
وأضافت الشبكة أن “آفي بيركوفيتش”، وهو أحد مساعدي جاريد كوشنير، مستشار ترامب وصهره، وأحد أعضاء فريق خطة السلام الأمريكية، سيتولى المنصب.
وشككت وسائل إعلام عبرية بقدرات “بيركوفيتش”، وهو يهودي آخر، درس في إسرائيل مدة عامين بمدرسة دينية أرثوذكسية، بعد المرحلة الثانوية.
وأفادت صحيفة “معاريف”، الجمعة، أن تعيينه خلفا لغرينبلات “أثار العديد من الأسئلة بين الدبلوماسيين السابقين، الذين وجدوا صعوبة في فهم كيفية وضع هذه المهمة على عاتق خريج جامعي شاب يتخذ خطواته الأولى في عالم السياسية”.