ما تضمنه اجتماع الرئاسات الثلاث في قصر السلام
استضاف رئيس الجمهورية برهم صالح اجتماعاً عُقد في قصر السلام ببغداد، اليوم الأحد 10 -11-2019، وحضره كلٌّ من رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي ورئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان.
وتم في الاجتماع تدارس مختلف التطورات السياسية والأمنية في البلاد في خضم التظاهرات الكبيرة التي شهدتها بغداد ومحافظات أخرى، حيث أكد الاجتماع أن هذه الاحتجاجات الشعبية السلمية هي حركة إصلاحية مشروعة لا بد منها وذلك استجابة للرأي العام الوطني ولمتطلبات الحياة السياسية والخدمية التي يستحقها العراقيون الغيارى بعد عقود من الطغيان والحروب والعنف والفساد.
إن الاحتجاج الشعبي الذي نهض به شبابُ العراق المتطلع لحياة حرة كريمة بإرادة وطنية سلمية تحترم السياقات القانونية والدستورية وتقدّر مصالح البلاد وتصونها هو احتجاج عظيم في مسار إعادة بناء الدولة وتطهير مؤسساتها والارتقاء ببنائها بما يستحقه العراق.
وأكد المجتمعون الموقف الثابت بالامتناع ورفض أي حل أمني للتظاهر السلمي، والمحاسبة الشديدة لأية مجابهة تعتمد العنف المفرط، مشيرين بهذا الصدد إلى أوامر وتوجيهات القائد العام للقوات المسلحة بمنع استخدام الرصاص الحي وجميع أشكال العنف التي تعتمد القسوة والمبالغة فيها.
وتناول الاجتماع باهتمام شديد حالات الاختطاف التي تجري ضد ناشطين من قبل جماعات منفلتة و خارجة عن القانون، وكذلك جرائم الاعتداء على المتظاهرين، وهي أعمال موجهة يجري التحري عنها والوقوف على المتسببين بها وإنزال العقاب القانوني بهم، مؤكدين أن لن يبقى معتقل واحد من المتظاهرين.
الأطراف المجتمعة أكدت أنه سيحال للقضاء العادل والمنصف كل من تثبت عليه جرائم جنائية ومن أي طرف كان. وستلاحق العدالة الصارمة كل من يعتدي أو يخطف أو يعتقل أيّاً كان خارج إطار القانون والسلطة القضائية. مرة أخرى تتأكد أهمية حصر السلاح بيد الدولة، وهذا ما سيتحقق حتماً.
إلى جانب هذا أكد الاجتماع ضرورة التقيد بالطبيعة السلمية الديمقراطية للتظاهرات وبما يحفظ الامن العام والممتلكات ويمنع حرف مسار التظاهرات عن طبيعتها السلمية.
يؤكد الاجتماع أيضاً ما هو أهم؛ احترام وتقديس التضحيات، للشهداء وللجرحى من أبطال التظاهرات السلمية ومن ميامين قواتنا الأمنية. دماؤهم التي سالت أضاءت الطريق وفتحت الأفق نحو المستقبل. وأكد المجتمعون العهد على أن لا قطرة دم طاهرة يمكن أن تذهب هدراً، وأن لا يتوقف عمل العدالة المخلص من أجل الوقوف على أي متورط بهذا الدم الطهور. هذه مسؤولية السلطات الحكومية والقانونية، مسؤوليتنا جميعاً، مجتمعاً وحاكمين، أن لا تتوقف الجهود ولا تكلّ في القبض على القتلة والمتسببين بالقتل وسفك الدماء. مسؤوليتنا في تأمين حقوق عائلات الشهداء، وفي تأمين علاج الجرحى بأفضل القدرات المتاحة.
وبكل فخر واعتزاز يؤكد الاجتماع ويقول للشباب العراقي: لا يمكن الا ان تنتصروا، وينتصر بلدكم وشعبكم بكم، ننتصر بكم ونحن نشرع بعمل حثيث من أجل أن تكون احتجاجاتكم مناسَبة حيوية للشروع بعمل إصلاحي جذري يجب أن يتكلل بالنجاح وبنتائج عملية من شأنها مكافحة الفساد، آفة الخراب الأكبر بعد الإرهاب والعنف، كما توجب تقويم مسارات العملية السياسية على مختلف الأصعدة التشريعية والتنفيذية بما يؤمّن سلطات ومؤسسات قادرة حقاً على خدمة الشعب والتقدم بالبلد والنهوض به.
بكم أيها الشباب الحر تتذلل الصعاب، وبإرادتكم وبوقفتكم الشجاعة نجتاز التحول إلى دولة حرة ومعافاة ومتقدمة، دولة يطمح فيها الشعب ويحلم، ومسؤولية الحاكمين المنتخبين فيها خدمة الشعب والسهر من أجل تحقيق تطلعاته، وبذل الغالي والنفيس من أجل ذلك.
يؤكد الاجتماع على ما يلي:
1- باشرت السلطتان التنفيذية والقضائية فعلاً بالعمل القانوني في الشروع بفتح الملفات التحقيقية الخاصة بالفساد وملاحقة المتهمين فيها لتحقيق العدالة واستعادة الحقوق المنهوبة. سيتواصل فتح هذه الملفات. وبهذا لا أحدَ مهما كان منصبه ومركزه وموقعه بالقادر على الإفلات من سير العدالة. لا تسييس ولا محاباة في فتح الملفات وفي التحقيقات والمحاكمات. مصلحة البلاد وحقوق الشعب وتطبيق القانون هو الفيصل في كل شيء، كما تمت المباشرة باتخاذ الاجراءات القانونية من قبل القضاء بحق من تسبب في استشهاد واصابة عدد من المتظاهرين والقوات الامنية ومن اعتدى على الممتلكات العامة حيث تم توقيف قسم منهم وصدرت مذكرات قبض بحق قسم اخر ولايزال التحقيق مستمراً.
2- جرت المباشرة أيضا بالعمل من أجل تشريع قانون جديد للانتخابات وبما يجعل من هذا القانون ضامناً لتحقيق العدالة في التنافس الانتخابي، ومساعداً على وصول الأكفاء من المرشحين بموجب رؤية وقناعات الناخبين، والحدِّ من فرص الاحتكار الحزبي التي تُبقي على ركود الحياة السياسية ما بين عدد محدود من الأحزاب وتَحول دون تجديد دماء هذه الحياة بمرشحين من خارج دائرة الحياة الحزبية ايضاً، كما يساعد القانون الجديد على تعزيز فرص الشباب في بلوغ البرلمان والإسهام بصنع سياسة بلدهم. وسيخلص القانون الجديد إلى تحقيق مفوضية عليا للانتخابات مستقلة فعلاً ومهنية وكفوءة في كل مفاصلها وكوادرها.
3ــ إن التظاهرات ساعدت وتساعد في الضغط المشروع على القوى والأحزاب السياسية وعلى الحكومة والسلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية من أجل القبول بتصحيح المسارات وقبول التغييرات الإيجابية خصوصاً في مجالات التعديل الوزاري على أساس الكفاءة والحدّ من الآثار الضارة للمحاصصة بمختلف صورها، وتصحيح مسارات عمل الدولة لتضعها في السياق الصحيح الطبيعي كدولة خادمة وراعية للشعب وحامية لمصالحه وليس لمصالح الأحزاب والأشخاص الحاكمين والقوى الماسكة بالسلطات. ويرى المجتمعون أن التظاهرات بصورتها السلمية الناصعة هي من أهم وسائل المراقبة والضغط لتحقيق ذلك ولتأمين الإصلاحات المطلوبة وبلوغ الأهداف المنشودة.
4ـ باشرنا فعلاً بالتمهيد للحوار الوطني لمراجعة منظومة الحكم والدستور وفق السياقات الدستورية و القانونية.
ويؤكد الاجتماع تقديره واحترامه لعزيمة الشباب الذين كان معظمهم في أوج تطلّعهم للحياة واعتزازه بما حققوه من حراك هزّ البلد من أقصاه إلى أقصاه وقدم الصورة العظيمة لهذا الشعب الغيور، وهو الحراك الأهم بين ما تحقق بعد 2003، والذي قاد إلى مراجعة شاملة ليس لبنى المؤسسات فحسب وإنما أيضاً للسياسات وخطط البناء والتطوير وتغيير القوانين بما يضع البلد والشعب في القلب من الحياة المعاصرة لأرقى البلدان. إنه حراك جدّد إرادة التغيير من أجل إصلاحات أكبر يمكن بلوغها بمثل هذه العزيمة وهذا الوثوب.
لقد نجح المتظاهرون السلميون الأحرار في الحفاظ على سلمية حراكهم. كانت إرادتهم الوطنية أكبر من نوايا الخبثاء ممن سعوا إلى تشويه الطابع السلمي للحراك الاحتجاجي الوطني، وممن أرادوا لهذا البلد الكريم السوء والشر والانزلاق إلى ما حفظنا الله منه.
كما يتشرف الاجتماع بالتأكيد على الدور السامي الذي اضطلعت به المرجعية العليا وهي تذود عن حق الاعتراض والاحتجاج، وتنصح بالإصلاح وتؤكد عليه، وتنبه على ضرورة مراعاة أمن وسلام العراق في هذه الظروف الإقليمية شديدة الحساسية..
لنصنع الحياة معاً..
لتتعزز انتصارات العراقيين؛ من ميادين الحرب ضد الإرهاب، ومن ساحات الاحتجاج، حتى مواقع العمل والبناء. وليحفظ الله العراق