ترامب يرفع الرّاية البيضاء ويسحب مُعظم القوّات الأمريكيّة من العِراق .. هل يكفي ذلك للثّأر لاغتِيال سليماني والمهندس؟ عطوان يتحدث ..
إعلان الجنرال كينيث ماكينزي قائد القيادة العسكريّة الأمريكيّة في الشرق الأوسط اليوم قرارًا أمريكيًّا بتخفيض القوّات الأمريكيّة في العِراق من 5200 إلى 3000 فقط، مع وعدٍ بتخفيضاتٍ أُخرى قبل الانتخابات الرئاسيّة الأمريكيّة يُؤكّد أنّ المُقاومة العراقيّة وصواريخها، حقّقت انتصارًا كبيرًا، وانتقمت “جُزئيًّا” لمُؤسّسها اللواء قاسم سليماني، رئيس فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، ورفيقه أبو مهدي المهندس اللّذين اغتيلا في غارة لطائرة أمريكيّة مُسيّرة في كانون ثاني (يناير) الماضي قُرب مطار بغداد.
التذرّع بأنّ هذه القوّات أنجزت مهمّتها بالقضاء على خطر الدولة الإسلاميّة (داعش) أكذوبةٌ كُبرى، لأنّ هذا التنظيم الإرهابي يزداد قوّةً، بعد تدمير عاصمته الرقّة (سورية)، وإخراج قوّاته من موقعها الحصين في مدينة الموصل (العراق)، وبات يتمدّد في مُعظم أنحاء الشّرق الأوسط والشّمال المغاربي.
الرئيس دونالد ترامب الذي يقف على بعد 45 يومًا تقريبًا من الانتخابات الرئاسيّة التي تُؤكّد استِطلاعات الرأي تقدّم خصمه الدّيمقراطي جو بايدن عليه بعشر نقاط يخشى أن تؤدّي عمليّة هُجوميّة على هذه القوّات، أو القواعد التي تتواجد فيها إلى إنهاء فُرصه في الفوز كُلِّيًّا.
ليس صحيحًا أنّ الرئيس ترامب اتّخذ هذا القرار استجابةً لطلب الرئيس العراقي السيّد مصطفى الكاظمي الذي زار واشنطن الشّهر الماضي، لأنّ قرار الهُروب صدر بعد قصف قاعدة عين الأسد وقاعدة كركوك بالصواريخ وجاء تسريعه بعد تزايد عدد الصّواريخ التي ضربت المِنطقة الخضراء حيث السّفارة الأمريكيّة، واستهدفت قوافل عسكريّة أمريكيّة مُنسحِبة أيضًا.
ولعلّ التفجير الذي استهدف موكب السيّد أمر الله صالح، نائب الرئيس الافغاني، وأدّى إلى مقتل 10 جُنود من مُرافقيه وإصابة 15 آخرين كان على رأسهم، رسالة إندار لواشنطن والرئيس ترامب، تؤكّد أنّه لا مكان للقوّات الأمريكيّة في الشّرق الأوسط كلّها، فحركة طالبان المتّهمة بالوقوف خلف هذا الهُجوم فرضت كُل شُروطها على الإدارة الأمريكيّة وأبرزها سحب جميع القوّات (8600) قبل الربيع القادم، والإفراج عن 5000 أسير، دون أن تُوقِف عمليّاتها العسكريّة ضدّ القوّات الأمريكيّة مثلما نصّ اتّفاق الدوحة.
البرلمان العِراقي الذي أصدر تشريعًا بإخراج جميع القوّات الأمريكيّة من العِراق ثأرًا لاغتيال سليماني والمهندس، مطلع هذا العام وفّر الغطاء الشّرعي لهذه الخطوة، وتقليص القواعد العسكريّة الأمريكيّة من 13 قاعدة رسميّة إلى ثلاث قواعد فقط.
هذا الانسحاب يؤكّد القاعدة التي تقول إنّ أمريكا وحليفتها دولة الاحتلال الإسرائيلي لا يفهمان إلا لغة القوّة، أمّا الدبلوماسيّة وسياسة الاستِجداء فتُعطي نتائج عكسيّة تمامًا مثلما قال أحد قادة المُقاومة العِراقيّة والبسمة تملأ وجهه، وهو يُطالع أنباء هذا الانسِحاب، أو بالأحرى، الهُروب الأمريكي لأحد الصّحافيين العِراقيين المُقرّبين من محور المُقاومة.. واللُه أعلم.
عبد الباري عطوان