طوارئ بايدن في العراق… حماية مصالح أم وصاية؟
منذ سنوات طويلة لم تغب الولايات المتحدة عن المشهد العراقي فكانت حاضرة براً وجواً، أمنياً وسياسياً واقتصادياً، وأخيراً وقع الرئيس الأميركي جو بايدن مرسوماً مدد به حالة الطوارئ الوطنية المتعلقة بالأوضاع في العراق. ويتزامن المرسوم مع تصريح السفيرة الأميركية لدى بغداد ألينا رومانوسكي بأن بلادها لن ترحل عن المنطقة، مؤكدة أن العراق يمثل أهمية استراتيجية كبيرة لدى واشنطن.
واستبعد متخصصون في الشأن العراقي، تطبيق مرسوم بايدن على أرض الواقع، بل محاولة للضغط على حكومة بغداد، مشيرين إلى أنه جاء لضمان استمرار الوصاية الأميركية على البلاد في المجالات كلها، خصوصاً المالية والاقتصادية والعسكرية. ورجحوا أن يكون المرسوم الأميركي رسالة عدم رضا من قبل إدارة بايدن عن الأوضاع في العراق، إضافة إلى قلقها على مصالحها الاستراتيجية.
عقبات عراقية
وبحسب بيان للرئيس الأميركي نشره موقع البيت الأبيض، فإنه لا تزال هناك عقبات تعترض إعادة الإعمار المنظم للعراق واستعادة السلام والأمن في البلاد والحفاظ عليهما، وتطوير المؤسسات السياسية والإدارية والاقتصادية.
وتشكل العقبات التي ذكرها البيان الأميركي تهديداً غير عادي للأمن القومي والسياسة الخارجية للعراق والولايات المتحدة معاً، ولذلك قررت واشنطن أنه من الضروري استمرار حالة الطوارئ الوطنية المعلنة، بموجب الأمر التنفيذي 13303 في ما يخص استقرار العراق.
وكان القرار الأميركي رقم 13303 الخاص بالعراق قد صدر في عام 2003، خلال عهد الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، ويقضي بحظر تصدير بعض السلع الخاصة إلى بغداد، إضافة إلى معاقبة شخصيات وكيانات.
قرار مجحف
في المقابل، اعتبرت لجنة الأمن والدفاع النيابية في مجلس النواب العراقي، قرار الرئيس الأميركي بتمديد حالة الطوارئ في بلادهم بـ”المجحف”. وقال عضو اللجنة النائب وعد القدو، إن “إعلان بايدن مجحف بحق الشعب العراقي والحكومة المنفتحة على جميع أصدقائها”.
وأضاف القدو، في تصريحات صحافية، أن “القرار ولد ميتاً ولا تأثير له على وضع العراق”، موضحاً أنه “يدل على نية واشنطن منح جنودها فتح النار بشكل عشوائي ومنفلت من دون الرجوع للأنظمة المعمول بها داخل بلادنا”.
واعتبر أن “القرار الأميركي لن يطبق على أرض الواقع بل محاولة للضغط على الحكومة العراقية”، داعياً بغداد إلى “تغيير وجهتها نحو الصين وروسيا”.
الإعلان ليس جديداً
في حين، قدم عضو ائتلاف دولة القانون، عباس المالكي، حلاً لإخراج القوات الأميركية من العراق، لكنه تمسك بأن إعلان بايدن حالة الطوارئ ليس جديداً، إذ إن لواشنطن مصالح كبيرة داخل البلد العربي.
وأقر المالكي، في تصريح صحافي، بأن “الولايات المتحدة تعتمد سياسة اللعب على التناقضات، حيث سبق وعملت على تخويف منطقة الخليج العربي من إيران للبقاء فترة طويلة”، موضحاً أن “الأميركيين قالوا سابقاً إنهم لن يغادروا المنطقة، ما يفسر تدخل واشنطن بشكل كبير في الشأن العراقي وسياسة الدولة”.
ويبني السياسي العراقي حله لإخراج الولايات المتحدة من العراق على “توحيد القرار الداخلي واتفاق كل القوى السياسية”، موضحاً أن “العلاقة بين بغداد وواشنطن غير متوازنة منذ 2003”.
ولفت إلى أن “أميركا تعتمد على الجانب العسكري بسبب فشل مشاريعها السياسية”، مشيراً إلى أن “واشنطن دخلت من الشباك مجدداً إلى العراق عن طريق مؤامرة داعش”، في إشارة منه إلى عدم دخول البيت من بابه.
استمرار الوصاية
بدوره، يعتقد المحلل السياسي مجاشع محمد علي، أن توقيع الرئيس الأميركي جو بايدن على مرسوم يمدد من خلاله حالة الطوارئ الوطنية المتعلقة بالأوضاع في العراق “مهم جداً” لحماية الأموال العراقية، إضافة إلى استمرار وصاية واشنطن على بغداد في المجالات كلها، خصوصاً المالية والاقتصادية والعسكرية.
ولا تزال هناك عقبات، في رأي مجاشع، تعترض إعادة الإعمار المنظم بالعراق، واستعادة السلام والأمن في بلاد الرافدين والحفاظ عليهما، وتطوير المؤسسات السياسية والإدارية والاقتصادية، بخاصة مع اكتساب المئات الدرجة القطعية.
ونوه بأن العقبات التي يواجهها العراق تشكل تهديداً غير عادي للأمن القومي والسياسة الخارجية لبغداد وواشنطن لأن الولايات المتحدة تعتبر الشرق الأوسط جزءاً من أمنها الوطني بحسب مبدأ كارتر.
من جهته وصف المتخصص في الشأن العراقي، قرار بايدن، بأنه “روتيني” ومجرد تجديد للمرسوم الصادر منذ 2003، حيث جرى تجديده طيلة الفترة السابقة لكن بالتأكيد هناك رسائل يراد إيصالها من تمديد الطوارئ الوطنية.
ونوه بأن القرار يعكس رغبة أميركية بإثبات الوجود، وأن واشنطن لا تزال مهتمة بالملفات الدولية والعراق جزء من التزاماتها الدولية، بحسب ما يرى البيت الأبيض، خصوصاً بعد تزايد الحديث عن تراجع المكانة الدولية للولايات المتحدة في ما يتعلق بقيادة العالم وانسحابها التدريجي من الشرق الأوسط.
ورجح أن يكون توقيع المرسوم الأميركي مجرد محاولة من بايدن للضغط على حكومة محمد شياع السوداني لمواجهة المخاطر التي تهدد مصالح الولايات المتحدة، ومطالبة بغداد بالعمل أكثر من أجل هذه المصالح، لكنه اعتبر الخطوة “تنصلاً أميركياً” من مسؤولية مساعدة العراق في إعادة الإعمار والبناء، وإلقاء الكرة في ملعب العراقيين.
جبار زيدان