المرأة العراقية صانعة البطولات تدفع فواتير العنف والحروب
شكلت المرأة العراقية محضنا رئيسيا لحضارات العراق المتعاقبة، فقد تميزت مكانة المرأة بالعصور السابقة لاختراع الكتابة والتي أسهمت فيها المرأة بالاستقرار الاقتصادي وبناء المدن الأولى، وهو ما ترك آثاره الإيجابية في عصور سومر، وأكد وبابل وآشور.
وعلى الرغم من تشكل النظام الأبوي، فأن المرأة العراقية قد احتفظت لنفسها بالاستقلال الاقتصادي، وبرزت أدوارها في ميدان الأدب والكهانة والحكم، وبخاصة في الحضارة السومرية التي حققت مكانتها الاجتماعية والدينية، فهي الإلهة الأم، مصدر الحياة وأصل الموجودات، وهي المقدسة والكاهنة، وتمتعت بحقوق واسعة بلغت حد تعدد الأزواج الغير مقبول دينيا واجتماعيا في زمننا هذا إلا أنه كان حق للمرأة وقتها وأيضا حق تبني الأطفال وحقوق التملك والاشتغال بالتجارة وتقاضي أجر العامل الرجل بالحقول وثقافيا فقد اشتهرت ككاتبة وعازفة موسيقى وغيرها.
ومع تعاقب الحضارات على العراق كان لها تميزها حتى بين دول الخليج، فقد كانت المرأة العراقية في ثمانينيات القرن الماضي تشكل ٤٠ بالمئة من عاملي القطاع الحكومي، وتميزت أيضا عن أقرانها العربيات بأنها الأكثر ثقافة وتعليما جامعيا، والنسبة الأعلى من النساء العاملات والمستقلات اقتصادياً.
وسرعان ما انقلبت أوضاع المرأة العراقية رأسا على عقب منذ الحصار الإقتصادي، الذي دمر منجزات المرأة العراقية الاقتصادي والاجتماعي، ووضعها بمأزق سبل إطعام أطفالها أو علاجهم، فقد عانت أكثر من نصف مليون امرأة آنذاك من فقدان وليدها وعلاج طفلها بسبب غياب الغذاء والأدوية والحليب والتي منعها المجتمع الدولي عنهم.
فتوالت الكوارث على العراق مع الحرب العراقية الايرانية ثم عاصفة الصحراء ثم الحرب الامريكية على العراق دمرت ممتلكات العراقيين ومات الكثير من الاباء الرجال وترملت اكثر من مليوني امرأة صرن مسئولات عن رعاية الاطفال واعالتهم ماديا وصحيا وتعليميا وتربويا وكان طبيعيا أن تعود أوضاع المرأة العراقية للخلف مئات السنين يتحكم بها مجتمع العشائر ويستحلون دماها بدعوى جرائم الشرف وهي المرأة العفيفة المنزهة.
وكم طفلة عراقية في زمن الحروب هذه عانت من الزواج من رجال كبار في السن وظهر زواج القاصرات في بلاد الحضارات التي سبقت حضارات الكون فكم طفلة ابنة أربعة عشر عاما زوجت قصرا وعادت بعد عام تحمل على كتفيها طفلا رضيعا بعد أن طلقها زوجها ؟!!
كعادة الأزمنة والدهور، فأن المرأة هي التي تدفع فواتير الحرب والفوضى والنزاعات، وهذا ما تحقق بحذافيره بالعراق، حيث دفعت ولا تزال المرأة العراقية شابة يافعة أو أما ناضجة أو طفلة اثمانا باهظة من العنف المجتمعي والاقتصادي والديني، فلم تستطع التقاط أنفاسها من الغزو الأمريكي للعراق حتى وقعت فريسة لصراعات الطائفية، والتنظيمات الإرهابية كداعش وغيرها، ناهيك عن معاناتها الاساسية من فقدان الزوج والابن والأخ الذين قتلوا خلال فترة الاحتلال.
سنوات طويلة من الانهاك والتدمير الانساني عاشته المرأة العراقية من الاعتداء عليها والسجن والتعذيب بفعل جرائم الدواعش، وما تلاه من اضطرابات أدت إلى ظهور تيارات متطرفة، أعادت المرأة إلى الوراء وسلبت حقوقها، وضاعت مكتسباتها، وعانت الكثير من أنواع التمييز وانعدام الحماية القانونية والاجتماعية والحرمان من فرص العمل والتعرض للاستغلال والعنف والخطف والقتل.
للأسف الشديد، فأن العديد من النسوة العراقيات اللواتي ترملن نتيجة الحرب والعنف الطائفي جرى استهدافهن واستغلالهن. وبحسب بعثة الأمم المتحدة بالعراق، فان 1.2 مليون امرأة عراقية تعرضن للتشرد من منازلهن بسبب الخوف من العنف وانتهاكات حقوق الإنسان والتهديدات بالقتل اللائي تعرضن له وضع مأساوي.
وكشف مركز “سيسفاير” العالمي لحقوق المدنيين ضمن تقرير (نساء العراق المفقودات: العنف الأسري في فترات النزاع المسلح) أن نساء العراق دفعن ثمنا باهظا لانهيار سيادة القانون والسلم العام في المجتمع ككل، حيث أن العنف والافتقار إلى الأمن والأمان قد طالا أيضا المنازل التي يعاني ساكنوها بالفعل من صعوبات اقتصادية جمة، مما أدى الى تصاعد وتيرة العنف ضد النساء.
فكل ما يتعرض له العراق من تهديد أمني واقتصادي أو طائفي أو تقسيم، يلقي بظلاله المباشر على المرأة العراقية وتدفع ثمنه غاليا من أمنها وسلامتها وانسانيتها، ولا تزال تضحي بالغالي والنفيس من عمرها وروحها من أجل حماية أسرتها ومجتمعها، فهي بطلة صانعة حضارة في الماضي البعيد، وهي صامدة صمود الجبال في مواجهة أمواج الحروب والفتن.
أنا ككاتبة وباحثة لا يغرني أبدا الانتقائية التي تتعامل معها الدول العربية بشكل عام مع دور المرأة في المجتمع وأخذ حقوقها السياسية والاجتماعية بتحقيق العدل والمساواة فهذا الأمر بالنسبة لي يعد انتقائيا أولا ودعائيا ثانيا، أما التمثيل الحكومي والبرلماني وبعض المناصب التي تعطى للمرأة تكرما لا يملأ عقلي إعجابا لأن النخب لا تمثل الأغلبية ولأن قلة من هذه النساء كانت قدوة وأثرت في تغيير أوضاع المرأة العراقية وعملت فعليا من أجل النهوض بواقعها.
فالأمر من وجهة نظري متعلق بوعي مجتمعي يبدأ من الأسرة التي هي نواة المجتمع فعندما يتم احترام المرأة في بيتها ويكون لها موقع وكلمة واحترام في أسرتها هنا تكون قاعدة الانطلاق فلا تثمر شجرة أبدا بلا جذور وجذور حقوق المرأة وتمكينها يبدأ من المنزل من قناعة الأب ودعم الأم ومن احترام الزوج وتقدير الأطفال والأولاد هذه البداية مازالت تفتقر للكثير من التوعية المجتمعية والأخلاقية للتعريف بدور المرأة وكيانها هذا الكائن الذي يبعث الحب والتضحية والعطاء في كل ركن وزاوية من زوايا الوطن فالمرأة المقتدرة العفيفة القوية بطلة في كل ميدان وأتمنى أن يتم توعية البنات في المدارس منذ الصغر أن الحرية ليست فجور وليست فيديوهات على تيك توك بل المرأة الحرة هي الكاتبة والطبيبة والمهندسة والسياسية والمعلمة والأم الفاضلة أي المرأة التي تمتلك فكر ورأي وعلم وعطاء وتخدم نفسها وبلدها وناسها لأنني ألحظ بداية انفتاح الأبواب المغلقة على المرأة إلا أنني أخشى عليها من اختيار الأبواب الخاطئة، ولكن من وجهة أخرى أفتخر جدا بسيدات العراق الفاضلات اللواتي برعن في كل مجال وصلن وجلن في كل ميدان بثقة وتحدي وتميز في كافة الميادين.
بقلم سارة السهيل