عبداللطيف رشيد: العراق عاد لممارسة دوره في المنطقة
بعد أعوام طويلة واجه فيها العراق أزمات عدة مع الاحتلال الأمريكي، وعقب سقوط نظام صدام حسين وحزب البعث، وخلال مواجهات دامية مع الإرهاب، هل تغير المشهد في العراق؟، وهل تحقق للعراقيين ما حلموا به عقب السقوط؟، وما مستقبل هذا البلد العظيم؟، هذه الأسئلة وغيرها راودتنى وأنا في طريقى إلى القصر الرئاسى ببغداد لمقابلة الرئيس العراقي، الدكتور عبداللطيف رشيد.
لم يَغِب العراق عن دائرة الاهتمام العربى منذ عام 2003 حتى الآن لعوامل كثيرة لا تقتصر على المشاعر القومية ولا الأهمية الجيوسياسية والتاريخية والثقافية والاقتصادية لهذا البلد.
كانت الأسئلة جاهزة لهذا الحوار، الذى امتد لساعات، وتم على أربعة لقاءات، اثنين في قصر بغداد، واثنين بمنزل الرئيس العراقي.
خلَت اللقاءات الأربعة من الشكل الرسمى، وتوسعت لتشمل الحديث في كل القضايا والملفات تقريبًا، بقلب مفتوح وصراحة كاملة، لعل ذلك يعود إلى طبيعة شخصية الرئيس العراقي، إذ من أهم ما يميزه التفاؤل العميق وروح الأمل التى تغلف كل حديثه، لأخرج من لقائه متفائلًا بحاضر ومستقبل هذا البلد.
الرئيس العراقي تطرق خلال الحوار إلى ما وصل إليه العراق بعد 20 عامًا من الاحتلال الأمريكي، معتبرًا إنهاء النظام الشمولى والديكتاتورية والنظام القمعى على الشعب العراقي إنجازًا كبيرًا، بالإضافة إلى تمتع بغداد بالأمن والاستقرار ومزيد من التفاهمات بين الكتل السياسية في العراق، واتصالات وتبادل آراء وبعض الأحيان منافسة بين الآراء المختلفة.
وأكد أن دولًا عدة، وعلى رأسها مصر، طالبت بدور جدّى للعراق لحل مشاكل المنطقة، موضحًا أن الأولوية خلال السنوات الماضية كانت للقضاء على الإرهاب والعنف والتأثيرات السلبية التى كانت موجودة في المجتمع العراقي، مشيرًا إلى أنه يحلم بتثبيت وتقوية الأمن والاستقرار والحرية والديمقراطية للشعب العراقي. وإلى نص الحوار:
■ عقدان من الزمان مرا على الاحتلال الأمريكي للعراق، كيف ترى العراق بعد الاحتلال؟
ـ قبل عام 2003 عانينا لفترة طويلة، وبعد التغيير عانينا التأثيرات الديكتاتورية والنظام الشمولى على المجتمع، والتى أدت تقريبًا إلى تفكك المجتمع وانقطاع العلاقات مع العالم الخارجى ونشوب صراعات معه.
وطبعًا من الديكتاتورية والنظام الشمولى إلى الديمقراطية إلى الحرية، هى عملية ليست سهلة داخل أى مجتمع، خاصة أنه مازال هناك قسم كبير من مجتمعنا إلى الآن يلتزم بالمحافظة على الأسلوب القديم من الناحية الدينية والقومية والمذهبية، ولدينا تحفظات كثيرة على بعض الأمور الجديدة، ولكن الحمد لله الآن وضعنا جيد،
والأمن والاستقرار موجودان في العراق، والأهم أن هناك تفاهمات بين الكتل السياسية في العراق، وهى غير قليلة، كما أن هناك اتصالات وتبادل آراء وفي بعض الأحيان منافسة بين الآراء المختلفة، وهذه الأمور في اعتقادى في صالح المجتمع العراقي، ومن حيث تصرفات الفرد ومن ناحية الانتخابات ومن ناحية تنفيذ الديمقراطية بشكل مفتوح وأمام الشعب، هذه كلها خطوات إيجابية جدًّا داخل العراق.
والآن عندنا حرية، يعنى مثلًا عدد القنوات الفضائية والصحف والمواقع الإلكترونية كبير، وتعمل بكل حرية دون أى قيود، والحركة موجودة، وليس هناك أى منع أو قيود على أى عراقى أين يذهب أو يتحرك أو يزور، وكذلك ليس عندنا منع لأى أطراف سياسية أو رسمية أو اجتماعية، لكن كما تعلمون نحن عانينا نظامًا شموليًّا، وبعده عانينا الاحتلال.
■ ما الدروس المستفادة من الغزو الأمريكي للعراق بعد عشرين عامًا من الغزو- من وجهة نظركم؟
ـ طبعًا نتيجة أى احتلال هى تغيير النظام، ورغم أن البعض لا يعتبر ذلك إنجازًا كبيرًا، إلا أن نهاية الديكتاتورية والنظام الشمولى في العراق والقضاء عليه في اعتقادى إنجاز كبير جدًّا.
الفترة الانتقالية ليست سهلة، خاصة أننا واجهنا خلالها صعوبات أكثر نتيجة الإرهاب وعدم المسؤولية وتفكك بعض مؤسسات الدولة، هذا كله عانينا منه، لكن باعتقادى أن إنهاء النظام الشمولى والديكتاتورية والنظام القمعى على الشعب العراقي كان إنجازًا كبيرًا.
■ نبيل فهمى، وزير خارجية مصر الأسبق، قال إن الغزو الأمريكي للعراق خلق خللًا في التوازن الإقليمى في المنطقة، فما تعليقك؟
ـ هذا الخلل نتيجة أى حرب في أى منطقة أو بقعة في العالم، لنفكر في الوضع الحالى الحرب الروسية الأوكرانية ألم تخلق خللًا في العالم كله؟، ولذلك الحروب دائمًا تؤدى إلى خلل، وهو خلل كبير لا يمكن علاجه خلال فترة قصيرة، وكذلك الغزو والاحتلال، فغزو العراق للكويت أدى إلى مشاكل كبيرة، وبعده الهجوم على العراق أدى إلى مشاكل بين الدول والأطراف السياسية، وعلينا أن نتفق أنه ليس هناك حرب تحل مشاكل، بالعكس هى تُعقّد المشاكل وتخلق مشاكل جديدة، ولذلك لا أؤمن بالحرب حلًّا للمشاكل.
وأنا مع الرئيس عبدالفتاح السيسى في مؤتمر شرم الشيخ، أعلنت أننا نريد إنهاء الحرب في أوكرانيا والبدء في المفاوضات.
■ لوحظت مؤخرًا العودة التدريجية للعراق إلى المحيط العربى مما عزز من مكانته الإقليمية..
ـ خلال زياراتى إلى الخارج أولًا إلى الجزائر وثانيًا إلى مصر وأماكن أخرى، الجميع يطلبون دورًا جديًّا للعراق لحل مشاكل المنطقة، وأنا مسرور بهذا التشجيع وبهذه اللقاءات، وإن شاء الله نحن نلعب دورنا، والمسؤولون في العراق مشغولون بهذا الموضوع، وعندهم اهتمام كبير به لأننا لدينا قناعة جدية أنه بدون الأمن والاستقرار في كل المنطقة سوف تزيد مشاكلنا.
■ كيف ترى الدور العراقي في رعاية الحوار الإيرانى العربى بشكل عام والسعودى على وجه الخصوص؟
ـ نحن نؤيد هذا الحوار، وسعيدون جدًّا به، وأنا شخصيًّا هنأت الطرفين، ولدينا علاقات جيدة مع البلدين، وأتصور أنهم يعتبرون العراق أول بلد حاول أن يقوم بمهمة تقريب وجهات النظر بين البلدين، ونحن نأمل أن يكون هذا التقارب والحوار هو العامل الرئيسى لتثبيت الأمن والاستقرار في المنطقة ككل.
ونحن نشجعهم على هذه اللقاءات والتقارب لأن دور السعودية وإيران في المنطقة مهم جدًّا، ولهما تأثيرات من جميع النواحى.
■ هل العراق سيواصل أداء هذا الدور كعامل من عوامل حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة؟
ـ نحن مستعدون أن نقوم بأى شىء يُطلب منّا، فهذا هو واجبنا ودورنا الذى يتناسب مع حجم العراق ومكانته.
■ ما الأهداف المرجوة من مشروع الشام الجديد، الذى يضم مصر والعراق والأردن؟
ـ أولًا: لا أريد أن أسميه أى تسمية، هذه علاقات قوية من النواحى السياسية والاقتصادية والتجارية، ومن ناحية الشعور بالمسؤولية في المنطقة.
هذه اللقاءات صارت في بغداد وعمان وكذلك في القاهرة، وفي اعتقادى أنها سوف تكون مستمرة، وأتصور أنه يجوز في المستقبل توسيعها لأن مصالحنا مشتركة.
■ ما المعوقات أمام انطلاقة واسعة لمشروع الشام الجديد؟
ـ لا أعتقد أن هناك معوقات أمام الانطلاقة الكبيرة للمشروع.
■ لماذا لم يتم ضم سوريا ولبنان إلى مشروع الشام الجديد؟
ـ كما ذكرت لك، أعتقد أن هناك أطرافًا أخرى يمكن أن تنضم إلى المشروع، ومنها بالطبع سوريا ولبنان، فكل ما يجرى هو تعزيز للعلاقات بين دول المنطقة لما فيه خير شعوبها، ولترسيخ الأمن والاستقرار في المنطقة.
■ هل نستطيع القول إن العراق استطاع القضاء تمامًا على الإرهاب؟
ـ عانينا بشدة عمليات إرهابية داخليًّا وخارجيًّا. والإرهابيون كان قسم منهم داخليًًّا وقسم كبير منهم خارجيًّا، وآذوا المجتمع العراقي، واستولوا على مناطق سكنية كبيرة، وارتكبوا أسوأ وأبشع أنواع العنف، والآن وضعنا الحمد لله، ويجوز أن أقول بدون مبالغة، مائة بالمائة أفضل.
طبعًا كانت هناك تضحيات من قِبَل الجيش العراقي والشرطة العراقية والحشد الشعبى وكل الأطراف والمدنيين. وكل الطبقات العراقية والأحزاب العراقية والمراجع العراقية كانت ضد البشاعة والإجرام، ويجوز عالميًّا عدم القدرة على القضاء على الإرهاب نهائيًّا.
المشكلة موجودة، لكن وضعنا الحمد لله الآن جيد، بين حين وآخر نواجه بعض المحاولات، لكن نتيجتها كلها الفشل، وقضية الأمن والاستقرار مثلما قلنا ضرورية.
وفي اعتقادى أن هذه الأعمال الإرهابية، خاصة من داعش، ليست لها علاقة بالاقتصاد والعمل ولا الأمور الأخرى، هى كانت أعمالًا إرهابية صرفة.
■ هل العراق لديه الخطة الشاملة لمواجهة احتمالية أو لمنع عودة التطرف والإرهاب من جديد؟
ـ مواجهة الإرهاب والقضاء عليه لا تقتصر فقط على القوى المسلحة أو الأمنية، وإنما هناك جوانب مختلفة، منها الاقتصاد والثقافة والتعليم. ولدينا خطة متكاملة لمنع عودة التطرف والإرهاب.
■ العراق ومصر خاضا معركة شديدة وطويلة ضد الإرهاب، ونجحا في القضاء عليه، فهل هناك تعاون مشترك بين البلدين ودول أخرى بالمنطقة بشأن المعركة؟
ـ التعاون مشترك بين كل الدول من أجل القضاء على الإرهاب لأن الإرهاب ليس مشكلة دولة، بل مشكلة المنطقة والعالم، وهم يريدون أن يحاربوا الإنسانية. ولذلك أنا متأكد أن هناك تعاونًا في جميع المجالات من أجل القضاء على الإرهاب.
■ فيما يتعلق بالعلاقات العراقية المصرية، نلحظ في الفترة الأخيرة أن هناك تناميًا وتصاعدًا في العلاقات المشتركة وتقاربًا بين البلدين، هل هناك خطة لدعم هذه العلاقات، وهل ننتظر زيارة قريبًا منكم لمصر أو من الرئيس السيسى للعراق؟
ـ بالنسبة لى موجودة في جدولى، ونحن علاقاتنا مع مصر قوية وفي كل المجالات وعلى جميع المستويات، من النواحى الثقافية والاقتصادية والتجارية والاستثمارية، وللحقيقة نحن كثيرًا ما نتعلم من مصر في عدة مجالات.
وقبل فترة قصيرة، رئيس الوزراء العراقي كان في مصر، وبعده رئيس البرلمان، فالعلاقات قوية للغاية. وأنا كان لى الشرف بلقاء الرئيس السيسى في شرم الشيخ، ودارت بيننا مناقشات ومباحثات لفترة طويلة، ركزنا خلالها على التعاون والتنسيق المشترك في جميع المجالات.
■ ما التحديات التى تواجه العراق وما خطتكم لمواجهتها؟
ـ لمدة طويلة نعانى التحديات الكثيرة، أولًا أكبر تحدٍّ على الشعب العراقي كان النظام الشمولى وعدم وجود حرية وديمقراطية وممثلين حقيقيين للشعب وعدم وجود إعلام حر. هذه كانت كلها تحديات. والعداوة بين الشعب والحكومة كانت أكبر بكثير من التحديات الأخرى.
وبعد الاحتلال عانينا خلال فترة زمنية طويلة من الإرهاب، الإرهاب الداخلى والإرهاب الداعشى، ولذلك كنا مشغولين لفترة طويلة بالمعركة مع الإرهاب الذى أضر بالمجتمع العراقي.
ورغم أن العراق دولة نفطية زراعية فيها إمكانيات من ناحية الثروات الطبيعية، مع الأسف الشديد كان استغلالها من أجل القتال والحروب والعداوة، ولم يكن الشعب يستفيد منها. ولذلك تأخر المجتمع العراقي من ناحية الخدمات والتعليم والثقافة والعمل الحر ومن ناحية الاتصالات مع العالم الخارجى، هذه كلها كانت لها تأثيرات غير إيجابية، لكن خطواتنا الآن، خاصة في الفترة الأخيرة بعد القضاء على الإرهاب، تتجه نحو تنفيذ برنامج من أجل خدمة المجتمع من ناحية البنية التحتية والخدمات ومن ناحية زيادة الحريات أكثر، ونحارب أو نمنع السلبيات الموجودة داخل المجتمع، وأتصور أن هناك شعور مهمًّا جدًّا لمعالجة النقاط السلبية والتركيز على النقاط الإيجابية من أجل خدمة الشعب والمجتمع.
■ على الرغم من النمو الاقتصادى البالغ نحو 10% في عام 2022، فضلًا عن ارتفاع الاحتياطى النقدى إلى أكثر من 95 مليار دولار بسبب ارتفاع عائدات النفط، يعانى العراقيون ارتفاعًا في خط الفقر بلغ نحو 40% وفقًا لعضو الميثاق الوطنى العراقي، عبدالقادر النايل، فما تفسيركم؟
ـ أشرت عدة مرات إلى أننا عانينا كثيرًا من المشاكل نتيجة الحروب والإرهاب والحصار والحكومات الشمولية في العراق. مثلًا في الثمانينيات والتسعينيات كان هناك عدد كبير من المؤسسات الصناعية ومؤسسات القطاع الخاص، لكن مع الأسف الشديد منذ عام 2003 إلى اليوم القطاع الخاص تقريبًا غير موجود بالعراق بسبب المشاكل التى كانت موجودة.
طبعًا الحكومة العراقية عندها برنامج لمحاربة الفقر والمستوى المنخفض من الناحية المعيشية، وكذلك لفتح المجال لخريجى الجامعات من العاطلين لإيجاد عمل لهم. وهناك نقطة أخرى مهمة جدًّا، وهى الضمان الاجتماعى، والآن زادت المعونات المادية لعدد كبير من العوائل الفقيرة عن طريق الضمان الاجتماعى.
■ وماذا عن نسبة البطالة المرتفعة، وخاصة حمَلة الشهادات العليا؟
ـ عندنا عدد كبير من العاطلين بدون عمل، وقسم منهم خريجو جامعات، وهذا ظلم على المجتمع وظلم عليهم. ولذلك نحن عندنا خطة جادة من أجل هذه الملفات والقضايا. وهذه الخطة لا يمكن تطبيقها إلا بتشجيع القطاع الخاص وتشجيع الاستثمار في البلد.
■ أشرت إلى خطة لدى الحكومة لمواجهة أزمة البطالة، وإلى دور القطاع الخاص، فهل ترى أنه يتعامل مع الدولة في حل هذه المشكلة؟
ـ الآن خطة الحكومة هى تشجيع القطاع الخاص، من ناحية الاستثمار والشراكة مع القطاع الخاص لبناء البنية التحتية وتقديم الخدمات للمواطنين، إضافة إلى دعم الحكومة والنفقات والمبالغ ودعم القطاع الخاص.
أملنا أن نشجع القطاع الخاص، وأنا متأكد من هذا بعد انتشار الأمن والاستقرار، خاصة أن الميزانية جيدة، ونستطيع دعم القطاع الخاص في هذه المجالات التى أشرت إليها جديًّا.
الآن بدأ القطاع الخاص يتحرك، هناك مستثمرون مهتمون بالصناعات الخفيفة والمعامل الصغيرة، لكننا نحتاج إلى مجالات صناعية وزراعية وتجارية أوسع بكثير، ولذلك الاهتمام بالصناعات الضرورية من بتروكيماويات واستخراج الغاز وتصدير الغاز وتحسين الكهرباء وكذلك البنية التحتية كلها موجودة، إضافة إلى ما أشرت إليه، وهو الزراعة، كلها موجودة ضمن برنامج الحكومة.
■ ترى أن الفساد لا ينحصر فقط في الفساد المالى، وإنما هناك أنواع أخرى لا تقل أهمية..
ـ طبعًا هناك فساد في كل المجالات وليس ماليًّا فقط، هناك الفساد التجارى والتنفيذى والإدارى، وتحمل مسؤوليات الوظيفة، هذه كلها أنواع من الفساد، وهى موجودة، ونعمل على مواجهتها والقضاء عليها.
■ مؤخرًا، شاهدنا مقاطع فيديو توثق مشاهد صادمة تُظهر جفاف مساحات شاسعة من نهرى دجلة والفرات في مدن جنوبى العراق، حتى بات القاع ظاهرًا ويُرى بالعين المجردة في محافظتى ذى قار وميسان، فما الخطوات التى تم اتخاذها لحماية الأمن المائى والزراعى؟
ـ هذه المساحات ليست جافة. هى في بعض الأحيان نتيجة المناخ، وأحيانًا من تصرفات دول الجوار، حيث تقطع المياه عن نهرى دجلة والفرات. ولذلك باعتقادى، وفي ظروف معينة، نحن نستطيع استغلال هذه المساحات للزراعة.
■ ذكرت أن سلوكيات أو ممارسات بعض الدول تؤثر على الأمن المائى للعراق، والذى يعانى كونه دولة مصب من ممارسات تركيا دولة المنبع والمشروعات التى تقيمها ربما تؤثر على نصيب العراق من المياه..
ـ مع الأسف الشديد، نحن دولة مصب بالنسبة لمياه نهرى دجلة والفرات والروافد، ومعظم الروافد عندنا مربوطة مع إيران. نحن مطالبتنا على أساس أنه لابد للدولتين من مراعاة وضعنا. ولابد أن نعرف الخطة التشغيلية للموارد المائية في البلدين. والحصول على كمية كافية وعادلة، وهناك نقطة أخرى مرتبطة مع إدارة الموارد المائية بالبلدين، فنحن نحتاج أن نعرف كيف يتم التصرف مع النهرين داخل البلدين.
وكما تعلمون، تركيا أقامت عددًا كبيرًا من السدود. نحن لسنا ضد التنمية فيها أو في إيران، بالعكس نحن مع التنمية في كل البلدان، لكن عليها مراعاة وضع العراق، وإعطاء فكرة كافية وكاملة عن الخطة التشغيلية الموجودة، ومراعاة حصتنا ومراعاة الوضع المائى.
وفي اعتقادى أن من الضرورى جدًّا أن نصل إلى نتائج إيجابية وعادلة ومعقولة ومنصفة للعراق عن طريق المفاوضات والتعاون والتنسيق والتفاهم.
■ هل تعاطى هذه الدول إيجابى مع مطالب العراق؟
ـ نعم، وهناك في بعض الأحيان مذكرات تفاهم بين البلدين، لكن ليست عندنا اتفاقيات ملزمة، ولذلك نحاول الوصول إلى تفاهم جدى في هذه الموضوعات، واتفاقيات بين العراق ودول والجوار من أجل الحصول كما أشرت على حصة عادلة وكافية بالنسبة لإدارة الموارد المائية في العراق.
■ عليك مسؤولية كبيرة في التقريب بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان، فهل ترى أن الخلافات بين الطرفين بسيطة، ويمكن حلها؟، وما السبيل إلى ذلك؟
ـ هى اختلافات في وجهات النظر وليست خلافات، ولابد من حلها، وأنا- ولو أنه لا يجوز أن أعلن كل شىء- محاولاتى مستمرة، وأنا مؤمن وعلى قناعة كبيرة بعلاقات قوية وجيدة بين الإقليم والحكومة الاتحادية، ومعظم الأمور المتعلقة بهذه العلاقات محلولة.
الآن قضية الميزانية، ونحن معًا الآن أعطونى خبرًا بأن رئيس وزراء الإقليم موجود في بغداد، وغدًا يوقع على الميزانية والاتفاق الذى صار بينه وبين رئيس وزراء العراق حول تصدير النفط. وأنا أعتبر ذلك خطوة إيجابية.
والنقاط الأخرى الآن في مرحلة دراسة وبحث ومناقشة إصدار قانون الغاز، وهى مسألة مهمة، وأتصور أنها تكون واحدًا من الأسباب لحل معظم المشاكل الموجودة.
■ حدِّثنا عن خطوات وآليات دعم وتقوية التقارب العربى الكردى على مختلف المستويات، خاصة في المجال الثقافي؟
ـ أنا أؤمن بتقارب الثقافات بين الشعوب، وبالنسبة لنا فالشعبان العربى والكردى بينهما رباط ثقافي قوى وقديم، ورابط اجتماعى ودينى، ولذلك من الضرورى تقوية الثقافة، وبفخر واعتزاز أقول إن كثيرًا من الزعماء والقيادات الكردية كانوا أصحاب ثقافة عربية قوية جدًّا من ناحية اللغة والأدب والشعر، كانوا روادًا في اللغة العربية، ومعظم الأكراد في العراق نسبة كبيرة منهم مهتمون بالثقافة العربية، وكذلك وفي الوقت نفسه فإن المثقفين العرب العراقيين أيضًا مهتمون بالثقافة الكردية، ومعظم الشعراء العرب دائمًا كانوا يشيدون بالنضال الكردى والثقافة الكردية، وعلى رأسهم الشاعر العراقي العربى الأكبر الجواهرى.
■ تكلمتَ عن الثقافة ودورها، وإيمانك بأنها تكمل عملية التنمية، التى ليست فقط اقتصادية أو سياسية، فهل أنت متفائل بعودة العراق ليكون مركز إشعاع ثقافي في المنطقة كما كان؟
ـ تأكيدًا لما ذكرت، يجب أن نعلم أنه تاريخيًّا كان العراق وبغداد مركز الثقافة ليس فقط العربية، وإنما ثقافات أخرى أيضًا مثل الكردية والتركية وغيرهما، ثقافات كثيرة ومتعددة ومتنوعة في العراق، وهذا الأمر يعيدنا إلى النقطة نفسها للأسف، وهى أن المشاكل التى مر بها العراق طبعًا أدت إلى تخفيف ثقله ودوره الثقافي، فالجامعات العراقية كانت مشهورة جدًّا في المنطقة والعالم، ويجوز أن العراق قبل كل دول المنطقة كان لديه جامعات تخرج فيها كثير من العرب. الآن هناك تشجيع بالنسبة للجامعات، ولدينا حوالى 220 جامعة، وبدأت وزارات التعليم العالى والتربية والثقافة الاهتمام بتشجيع الثقافة في جميع المجالات والمناحى، لكن كما تعلمون كل هذه الأمور مربوطة بعامل الزمن، إن شاء الله لما يكون عندنا استقرار كامل ولفترات طويلة فإنه في اعتقادى أن الثقافة ترجع إلى العراق لأن العراقيين هم بطبيعتهم لديهم حب للثقافة.
■ حلم تتمنى تحقيقه خلال فترة رئاستك الأولى؟
ـ حلمى تثبيت وتقوية الأمن والاستقرار والحرية والديمقراطية للشعب العراقي، وتقوية العلاقة بين المجتمع العراقي من جانب والمجتمع الكردى من جانب آخر.