في مشروع لو تم تنفيذه عمليًا لأحدث نقلة غير مسّبوقة في مستقبل “العراق” الاقتصادي، حيث أعلنت “بغداد” خلال مؤتمر، السبت الماضي، عن مشروع خط بري وخط سّكك حديدية يصل الخليج بالحدود التركية، والذي يعول عليه ليُصبح خط نقل أساسيًا للبضائع بين الشرق الأوسط و”أوروبا”.
وتطمح “بغداد” إلى تنفيذ هذا المشروع؛ الذي أطلق عليه اسم: “طريق التنمية”، بالتعاون مع دول في المنطقة، هي: “قطر والإمارات والكويت وعُمان والأردن وتركيا وإيران والسعودية وسوريا”، والتي دعي ممثلوها إلى العاصمة العراقية للمشاركة في المؤتمر المخصص لإعلان المشروع.
وقال رئيس الوزراء العراقي؛ “محمد شيّاع السوداني”، في كلمة بالمؤتمر: “نرى في هذا المشروع المسّتدام ركيزة للاقتصاد المسّتدام غير النفطي وعقدة ارتباط تخدم جيران العراق والمنطقة وإسّهامًا في جلب جهود التكامل الاقتصادي”.
يربط الشرق بالغرب..
وتم الإعلان لأول مرة عن “طريق التنمية”؛ خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى “تركيا”، في آذار/مارس الماضي، حيث كشف عنه في مؤتمر صحافي مشترك لـ”السوداني”، والرئيس التركي؛ “رجب طيب إردوغان”.
وأكد “السوداني”؛ حينها، اتخاذ خطوات جادة تجاه: “تعّزيز العلاقات بين البلدين في المجالات كافة؛ وخاصة المجال الاقتصادي ووضع أسّس تعّزيز التعاون مع الأشقاء والجيران في هذا المجال الاقتصادي”، بحسّب تقرير سابق لوكالة الأنباء العراقية؛ (واع).
وأشار إلى أن: “مشروع طريق التنمية.. ليس فقط للعراق وتركيا؛ وإنما للمنطقة والعالم، وهو الممر العالمي لنقل البضائع والطاقة ويربط الشرق بالغرب”، لافتًا إلى أن: “هذا الممر سينقل البضائع والطاقة”.
وكشف أن “طريق التنمية” يتضمن” “خط للسّكك الحديدية ينقل البضائع، في المرحلة الأولى بسّعة: 3.5 مليون طن، لنصل في المرحلة الثانية إلى: 7.5 مليون طن، وطريق التنمية؛ (القناة الجافة)، سيشتمل على النقل البري وخطوط نقل الطاقة، فضلاً عن ميناء الفاو”.
وهناك أعمال قائمة حاليًا لتأهيل “ميناء الفاو”؛ في أقصى جنوب “العراق”، والمجاور لدول الخليج، والذي سيكون محطة أساسية لتسّلم البضائع قبل نقلها برًا.
وتتسّم منطقة الخليج بأهميتها في مجال النقل البحري، لا سيما لنقل الموارد النفطية التي تسّتخرجها دول المنطقة.
تكلفة “طريق التنمية”..
وحدّدت الحكومة العراقية تكاليف المشروع بنحو: 17 مليار دولار؛ وبطول: 1200 كلم داخل “العراق”.
وقالت “لجنة النقل والاقتصاد”؛ في “مجلس النواب” العراقي، إنها تأمل أن: “يُنجّز المشروع ويكتمل خلال ثلاث إلى خمس سنوات”، بحسّب بيان أوردته (واع).
وأضافت أن المشروع سيكون: “استثماريًا للدول المشاركة وكل دولة بإمكانها إنجاز جزء من المشروع”، مشيرة إلى أن: “آلية الاستثمار سوف تُناقش بعد عقد المؤتمر مع الدول المشاركة”.
“نقطة عبور” وإعادة “تأهيل” البنية التحتية..
ويسمح هذا المشروع لـ”العراق” باستغلال موقعه الجغرافي والتحول إلى نقطة عبور للبضائع والتجارة بين الخليج و”تركيا” ثم “أوروبا”، ناهيك عن إعادة تأهيل البنية التحتية في البلاد، بحسّب تقرير لوكالة (فرانس برس).
ويهدف المشروع كذلك إلى بناء: 15 محطة قطار للبضائع والركاب على طول الخط، تنطلق من “البصرة”؛ جنوبًا، مرورًا بـ”بغداد” وصولاً إلى الحدود مع “تركيا”.
وتأمل الحكومة العراقية أن تنقل قطارات عالية السّرعة البضائع والمسّافرين بسّرعة تصل إلى: 300 كلم في الساعة، بالإضافة إلى مد خطوط إلى مراكز الصناعة المحلية والطاقة، والتي يمكن أن تشمل أنابيب النفط والغاز.
وتشغل خدمة القطارات العراقية حاليًا عددًا قليلاً من الخطوط، بما في ذلك وسائل شحن بطيئة للنفط وقطار ركاب واحد يسّير ليلاً من “بغداد” إلى “البصرة” يسّتغرق من عشر ساعات إلى 12 ساعة في رحلة تبلغ مسّافتها: 500 كلم.
ويُعاني “العراق” الغني بـ”النفط”؛ تهالكًا في بنُيته التحتية وطرقه جراء عقود من الحروب وانتشار الفساد. وتمر بعض الطرقات التي تصل “بغداد” بالشمال في مناطق تنشط فيها بقايا خلايا تنظيم (داعش).
فيما أكد رئيس الوزراء العراقي؛ “السوداني”، أكثر من مرة أن من أولويات حكومته إعادة تأهيل البُنية التحتية للنقل والطرق وقطاع الكهرباء المتهالك أيضًا.
طموحات كبيرة..
بداية يقول السياسي العراقي؛ “د. إسماعيل الجنابي”: “وفقًا للتعريفات المُعلنة فإن (طريق التنمية)؛ هو برنامج إصلاحي كبير للاقتصاد العراقي يبدأ من قطاع النقل وسينعكس على باقي القطاعات”.
مضيفًا في حديثه لـ (سبوتنيك): “يتوقع بعض المتفائلين أن المشروع سوف يكون أكبر مكسّب للاقتصاد العراقي، وسوف يُسّاهم بشكلٍ كبير في تطوير قطاع النقل المتهالك، والذي سيجلب معه نهضة في قطاعات الصناعة والزراعة والسياحة وغيرها من القطاعات التي عانت خلال العقدين الماضيين”.
وأشار “الجنابي”؛ إلى أن هناك العديد من السيناريوهات التي قد تُصاحب المشروع منها، بناء مدن صناعية وسكنية قريبة من هذا الطريق، تبّعد عن مراكز المدن الكبرى من: 10 إلى 20 كيلومترًا على الأقل، وتسّتوعب عددًا كبيرًا من السكان في ظل الكثافة السكانية التي أدت إلى أزمة سكنية في “العراق”.
الانتعاش التجاري وتوفير فرص العمل..
وتابع “الجنابي”؛ بالإضافة إلى الانتعاش التجاري، سيوفر هذا الطريق آلاف فرص العمل، لاسيما بعد أن تتحول “الفاو” إلى مدينة صناعية كبيرة؛ قد تُنقل إليها بعض المصانع الدولية، علمًا بأن “الصين” قد أبدت استعدادها مرارًا لنقل جزء من معاملها إلى مدينة “الفاو”، مسّتفيدة من قِصَر المسّافة وتوافر المواد الأولية والأيدي العاملة.
وأوضح أن المشروع سوف يكون له مردود ضخم فيما يتعلق بقطاع المياه في “العراق”، حيث يتضمن خطة لتحلية مياه البحر، في الوقت الذي يشهد فيه “العراق” أزمة شملت مياه الشرب.
مخاوف من الفشل..
ولفت “الجنابي”؛ إلى أن “الصين والهند” تعّولان على هذا المشروع لزيادة صادراتها إلى “أوروبا” عبر الموانئ في “العراق” و”تركيا”، كما تعّول عليه “تركيا” أيضًا، التي تُريد أن تُزيد من ميزانها التجاري مع “العراق”، علمًا بأن وجود طريق بري ينقل المسّافرين بين “العراق وتركيا”، رغم المخاوف من مسّاهمة الطريق في عمليات الهجرة غير الشرعية، لا سيما وأن المهاجرين لطالما اعتبروا “أنقرة” محطة انتقالية في محاولتهم الوصول إلى القارة الأوروبية، والخشية كل الخشية أن يفشل هذا المشروع سيفشل كما فشلت العديد من المشاريع السابقة التي تغنت بها الحكومات.
كما يقول “نوري حمدان”؛ الباحث السياسي العراقي: “لم تكن مخرجات مؤتمر طريق التنمية؛ الذي عُقد في بغداد؛ الأسبوع الماضي، مفعمة بالآمال التي تتحدث عنها الحكومة، والغريب أن الحكومة تؤكد نجاح المؤتمر الذي استضافه وزراء نقل من دول مختلفة، وسط تناقضات جذرية في الرؤى ووجهات النظر التي طُرحت في هذا المؤتمر”.
وأضاف؛ في حديثه لـ (سبوتنيك): “في الوقت الذي تقول فيه الحكومة؛ أنها شرعت بتنفيذ المشروع، يقول بيان المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي: انتهى المؤتمر إلى تشكيل لجان فنية لوضع التصور الكامل عن طبيعة وحجم مشاركة الدول الشقيقة والصديقة في هذا المشروع الحيوي الاستراتيجي”.
وأشار “حمدان”، إلى أن المؤتمر لم يعكس أهمية مشروع “طريق التنمية”، الذي يربط “ميناء الفاو” الممّتد على “الخليج العربي” بالأراضي التركية عبر ممّر بري لتسّهيل حركة التجارة، والذي من شأنه تعّزيز التعاون الإقليمي وتطوير التجارة في المنطقة، ويحّول “العراق” إلى منطقة نقل كبرى، ومحطة رئيسة بين “آسيا وأوروبا”.
مسّار المشروع..
وأوضح الباحث السياسي؛ أن طول الطريق المسّتهدف في المشروع والمُعلن عنه نحو: ألف كيلومتر، يبدأ من أقصى موانئ “البصرة”، وصولاً إلى المثلث “العراقي-التركي-السوري” من جهة؛ منطقة “فيشخابور”، ويبلغ الوقت المتوقع لقطعه في حال أنجز الطريق بين اثنتي عشرة وست عشرة ساعة بالسيارات، وأقل من ذلك الوقت بالنسبة للقطارات.
وتابع: “يوفر المشروع عشرات الآلاف من فرص العمل داخل العراق، بدءًا من البصرة وحتى نقطة التقاء الطريق بالحدود التركية، وفي حال إكماله يمكن أن يعود بإيرادات مالية سنوية ضخمة على العراق، بنحو مماثل لقناة السويس المصرية”.
اختصار زمن الرحلات..
ويُشير إلى أنه في حال إتمام المشروع؛ فإن الرحلة البحرية للسفن المحملة بالبضائع منْ “ميناء شنغهاي” الصيني إلى “ميناء روتردام”؛ جنوبي “هولندا”، سينخفض زمنها من ثلاثة وثلاثين يومًا إلى خمسة عشر يومًا فقط، عندما تنقل من “شنغهاي” إلى “ميناء جوادر” الباكستاني ثم إلى “ميناء الفاو”، ومنه عبر “القناة الجافة” إلى “تركيا” ثم إلى “أوروبا”.
ولفت “حمدان”؛ إلى أن “طريق التنمية” سوف يربط الشرق بالغرب، فيما تُعتبر “أنقرة” المشروع ذا أهمية استراتيجية عالية ليس لـ”تركيا” و”العراق” فحسْب، وإنما للمنطقة بأكملها، وأن ملايين الأشخاص في منطقة جغرافية واسعة من “أوروبا” إلى الخليج سيسّتفيدون من القيمة المضافة التي ستظهر من إنشاء الطريق.
وقالت الحكومة العراقية؛ بحسّب تصريح المتحدث باسم مجلس الوزراء؛ “باسم العوادي”، أن المهمة الأساسية للطريق نقل البضائع بمختلف أنواعها من “أوروبا” إلى “تركيا” عبر “العراق” وإلى الخليج، وأيضًا السّلع الخليجية والموارد الخليجية تنقل من الخليج عبر “العراق” ثم “تركيا وأوروبا”.
ولفت إلى أن: “الحكومة العراقية لا تُريد لهذا الطريق أن يكون مجرد؛ (ترانزيت)، بل ترغب بأن يتحول هذا الخط البري والسّكة الحديدية إلى طريق وشريان حيوي للاقتصاد”.
وأشار إلى أن: “هناك مخططات لمدن صناعية ومدن إسكان تُحاط بالطريق، وسيشهد عبور آلاف الشاحنات المقبلة من 25 دولة”.
وأوضح أن: “السّلع التي تأتي من الصين والهند وأميركا عبر شاحنات تفرغ حمولتها في موانئ الخليج، ستنتقل من خلال العراق عبر ميناء الفاو، وهذا بحاجة إلى بُنى تحتية سياحية من مطاعم وفنادق ومقاهٍ وكراجات للسيارات”، مؤكدًا أن: “طريق التنمية؛ سيتحول إلى شريان اقتصادي ومدن سكنية ومجمعات صناعية كبيرة، من أجل أن يخدم العراق ودول المنطقة مجتمعة”.
تحديات أمنية..
في هذا الصّدد قال مدير المركز (العراقي) للدراسات الاستراتيجية؛ “د. غازي فيصل حسين”: “ما زال التحدي الأمني في العراق موجودًا، لكن لا ننسّى أنه يحتوي على أكثر من مليون ونصف المليون من الهيئات والتشكيلات والقوات المسلحة”.
وتابع: “العراق يملك مجموعة من العناصر المهمة لضمان أمن هذا الطريق”.
وأردف: “يُفترض من الحكومة العراقية والسلطات المختصة أنه عندما تذهب إلى هذا المشروع العملاق تعّزيز المؤسسات لضمان الأمن والاستقرار لمواجهة الشبكات ومافيات الجريمة المنظمة ومافيات الفساد من أجل نجاح الاستراتيجية”.
وأوضح: “دون الذهاب لتحقيق مجموعة أهداف مهمة ضمن إطار طريق التنمية؛ لا يمكن تحقيق الأمن والاستقرار وتحويل العراق فعلاً لفضاء مهم للأمن والسلام والتعيش والشراكة بدلاً من الأزمات والحروب”.
بدائل “العراق” لتمويل المشروع..
بدوره؛ أوضح أستاذ المحاسبة الدولية؛ “د. صفوان قصي”، أن: “العراق يمتلك بدائل لتمويل هذا الطريق؛ ولدينا احتياطي البنك المركزي”.
ولفت إلى أن: “العراق يستطيع تكوين شركة مسّاهمة تطرح أسّهمها للاكتتاب على مستوى سوق العراق للأموال المالية وتدخل المصارف العراقية لشراء هذه السّندات والأسّهم لكي نحصل على: 17 مليون دولار”.
وأضاف: “لن نمضي بهذا الاتجاه إلا بعد أن نعلم قدرة دول المنطقة للمشاركة بهذا الطريق”.
وأردف: “من الممكن أن يكون هناك تفاهم وترتيبات مشتركة مع شركات ألمانية وفرنسية لاستئجار القطارات الحديثة؛ والتي تعمل على الطاقة الكهربائية مقابل عائد مناسب للانتقال”.
وبيـّن أن: “تركيا تعرض تمويل هذا الطريق على نفقتها مقابل ترتيبات مشتركة لانتقال السّلع التركية إلى آسيا وبالعكس”.
إحياء لمشروع “البصرة-برلين”..
كذلك يرى الدكتور “عبدالرحمن المشهداني”، أستاذ الاقتصاد في “الجامعة العربية”، أن هذا المشروع يُعد إحياء لمشروع “البصرة-برلين”؛ الذي كان قد اتفق عليه الإمبراطور الألماني؛ “فيلهلم الثاني”، والسلطان العثماني؛ “عبدالحميد الثاني”، قبل أكثر من قرن من الزمان، بهدف ربط الشرق الأوسط بالقارة الأوروبية.
يوضح “المشهداني”؛ أن أكبر مكسّب للاقتصاد العراقي من هذا المشروع؛ هو تطوير قطاع النقل المتهالك، والذي سيجلب معه نهضة في قطاعات الصناعة والزراعة والسياحة وغيرها من القطاعات التي عانت خلال الأربعين سنة الماضية.
“ستُبنى مدن صناعية قريبة من هذا الطريق، ومدن سكنية جديدة تبُعد عن مراكز المدن الكبرى من: 10 إلى 20 كيلومترًا على الأقل، تستوعب عددًا كبيرًا من السكان في ظل الكثافة السكانية التي أدت إلى أزمة سكنية في العراق”.
إلى جانب الانتعاش التجاري، إذ سيّوفر هذا الطريق آلاف فرص العمل، لاسيما بعد أن تتحول “الفاو” إلى مدينة صناعية كبيرة قد تُنقل إليها بعض المصانع الدولية.
“الصين أبدت استعدادها مرارًا لنقل جزء من معاملها إلى مدينة الفاو، مسّتفيدة من قِصَر المسّافة وتوافر المواد الأولية والأيدي العاملة”.
كما سيصب المشروع الضخم كذلك في مصلحة قطاع المياه في “العراق”، حيث يتضمن خطة لتحلية مياه البحر، في الوقت الذي يشهد فيه “العراق” أزمة شملت مياه الشرب. وكان وزير الموارد المائية العراقي؛ “مهدي الحمداني”، قد صرح بأن مخزون المياه في البلاد انخفض العام الماضي إلى النصف مقارنة بعام 2021.
مقارنة زمنية وتحديات مالية..
وفق المشروع؛ تُخطط الحكومة العراقية لإنشاء قطارات عالية السّرعة لنقل البضائع بسّرعة تبلغ: 140 كيلومترًا في الساعة، في حين تُقدر السّرعة القصوى لنقل الركاب: بـ 300 كيلومتر؛ (186.41 ميلاً)، في الساعة.
ويُقارن “المشهداني” بين هذه السرعة وسرعة الخطوط الحالية في “العراق”، التي تتراوح بين: 60 إلى: 70 كيلومترًا في الساعة، حيث يقطع القطار مسّافة أقل من: 600 كيلومتر في أكثر من 12 ساعة.
“كانت خطوط سّكة الحديدية تبُعد عن مراكز المدن العامة، لكن مع الضغط السكاني أضحت داخل المدن، ما عرقل عمل القطار وأدى إلى بطء حركته”.
ويوضح أن الخط الحالي الذي يربط العاصمة بمدينة “البصرة”؛ حيث يوجد “ميناء الفاو الكبير”، هو خط واحد وصفه بالمتهالك، ينطلق من “بغداد” ويمر بمحطات رئيسة معينة قبل أن يصل إلى “البصرة”، ليعود مرة أخرى إلى العاصمة.
اقتراحات المؤتمر لسيناريوهات التمويل..
وتُقدر التكلفة الأولية لمشروع “طريق التنمية”: بـ 17 مليار دولار، ويقول “المشهداني” إن المؤتمر الحالي طرح ثلاثة سيناريوهات تمويلية.
أول هذه السيناريوهات؛ يدور حول التمويل الحكومي، لكن المحلل الاقتصادي يسّتبعد قدرة الحكومة على تحقيق ذلك في ظل العجز الكبير في الموازنة العامة.
الخيار الثاني هو الشراكات بين الحكومة والقطاع الخاص، والذي يواجه كذلك تحدي توفير المال اللازم في ظل إدارة حكومية.
“السيناريو الثالث؛ يقترح التمويل من خلال استثمار مجموعة من الشركات العالمية مع شراكات محلية، وهو الحل الأكثر منطقية لتنفيذ المشروع خلال سنوات قليلة”.
ويتوقع “المشهداني” أن تشهد الخطوة التالية تعاقدات مع شركات استثمارية، وأن يحظى المشروع بتمويل من “تركيا والسعودية والإمارات وقطر”.
ومن المُخطط أن تنتهي المرحلة الأولى من هذا المشروع بحلول عام 2028، على أن تنتهي المرحلة الثانية بعدها بعشر سنوات، إذ تزداد معها الطاقة الاستيعابية للنقل إلى: 400 ألف حاوية، وصولاً إلى المرحلة النهائية المقررة عام 2050.
مكاسّب دولية..
لا شك في أن الفائدة الأولى لـ”طريق التنمية” ستعود على “العراق”، الذي سيحصل على عوائد “الترانزيت” وعوائد تصدير بعض السّلع المحلية التي يعتزم “العراق” تنشّيطها.
تقليل تكلفة نقل البضائع..
لكن الدكتور “صادق ركابي”، مدير المركز (العالمي) للدراسات التنموية، يرى أهمية دولية كبيرة للطريق الذي سيربط جنوب “العراق” بالجانب الأوروبي؛ من حيث تقليل تكلفة نقل البضائع بين “أوروبا وآسيا” وصولاً إلى “الهند والصين”.
وتعّول “الصين والهند” على هذا المشروع في زيادة صادراتها إلى “أوروبا” عبر الموانئ في “العراق وتركيا”، كما تعّول عليه “تركيا” أيضًا التي تُريد أن تُزيد من ميزانها التجاري مع “العراق”.
مخاطر الهجرة غير الشرعية..
ومع وجود طريق بري ينقل المسّافرين بين “العراق وتركيا”، قد تلوح مخاوف من أن يُزيد المشروع من الهجرة غير الشرعية، لاسيما وأن المهاجرين لطالما اعتبروا “أنقرة” محطة انتقالية في محاولتهم الوصول إلى القارة الأوروبية.
لكن الدكتور “صادق ركابي”؛ يعتقد أن تلك المخاوف رغم وجودها إلا أنها ليست بالشكل الكبير الذي قد يُعرقل “طريق التنمية”، معولاً على التشّديد الأمني عبر العديد من النقاط، الذي يعتقد أنه سيحد من تلك المخاوف.
لن يكون بديلاً عن “قناة السويس”..
إن تحويل “العراق” إلى مركز عبور يختصر زمن السفر بين “آسيا وأوروبا”، قد ينظر إليه البعض على أنه محاولة لمنافسّة “قناة السويس”، وهو ما تحدثت عنه بالفعل بعض التقارير الإعلامية.
ومع ذلك؛ فإن مدير المركز (العالمي) للدراسات التنموية، قّلل من تأثير الطريق الجديدة على “قناة السويس” المصرية.
وأوضح “ركابي” أن عدة عوامل تلعب دورًا في ذلك، من أهمها زيادة التجارة الدولية بشكلٍ سنوي، ما سيجعل نشاط “طريق التنمية”: “رديفًا داعمًا للنشاط التجاري لقناة السويس”.
وبعقد مقارنة بين الحمولات عن طريق البحر والبر، فإن كُفة النقل البحري هي الراجحة؛ نظرًا لمرونة النقل، “فعربات القطارات لديها سّعة محدودة وحجم محدود”، أما الحاويات البحرية فتسّتوعب أحجامًا متفاوتة وفق حجم كل سفينة.
“الحمولات الكبيرة جدًا يُفضل نقلها بحريًا؛ وهو ما يعود بالمنفعة على قناة السويس، أما الحمولات الأقل حجمًا ووزنًا فقد تُنقل عبر السّكك الحديدية، لذا فلكل طريق فوائده، لكن بالنسّبة للمعدات الأكبر والأثقل فإن الخيار البحري هو الأفضل”.
وأضاف “ركابي” أن الضمانات وعنصر الأمان الموجود في “قناة السويس” أكبر من ذلك الموجود في “طريق التنمية”، الذي قد يكون عُرضة لبعض المخاطر مثل تلك التي قد يُمثلها حزب (العمال)؛ شمال “العراق”، أو مخاطر الحدود بين “تركيا وأوروبا”.
“تتمتع قناة السويس بحالة أفضل من الاستقرار، وإدارة ذات خبرة تتمكن من تسّيير هذه العمليات البحرية التجارية”.
وأكد “ركابي” أن مشروع “العراق” لن يكون ذا تأثير سّلبي أو كبير في الوقت الحالي أو في المستقبل، فالنشاط التجاري الجديد سيكون داعمًا للقناة المصرية.
وأضاف: “لن يكون طريق التنمية بديلاً عن قناة السويس”.