وفي آب 2007، التقى المالكي مع الرئيس السوري، بشار الأسد، في دمشق، لمناقشة الملفّ الأمني المشترك والتصدّي للمجاميع المسلّحة التي كانت تنشط على حدود البلدَين. وتعرّضت العلاقات لشرخ آخر، عندما فرضت سوريا إجراءات مشدّدة على اللاجئين العراقيين، ومن ثمّ استقبل رئيسها، بشار الأسد، رئيس «هيئة علماء المسلمين»، حارث الضاري، الذي كان متَّهماً بإثارة النعرات الطائفية. ومع اندلاع الأزمة السورية عام 2011، تراجعت العلاقات بشكل لافت، منذ بداية التظاهرات في محافظة درعا جنوبي سوريا، والتي التزمت بغداد الصمت حيالها واتّخذت موقفاً محايداً، بينما شاركت جهات شعبية وحركات مسلّحة عراقية في القتال ضدّ المجاميع المتشدّدة الذي كانت تسيطر على قرى وبلدات حدودية مع العراق.
أما حالياً، فسُجّل تقارب ملحوظ بين البلدَين، خاصة بعد زيارة وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، إلى بغداد، في بداية حزيران الجاري، لبحث سبل الارتقاء بالعلاقات الثنائية. وقدّم المقداد، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره فؤاد حسين، دعوة رسمية لرئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، لزيارة دمشق، في إطار تحسين العلاقة وتبادل الزيارات بين الجانبَين، إلى جانب المساعي التي بذلها العراق لعودة سوريا إلى «جامعة الدول العربية»، ومساعدته إيّاها بمئات الأطنان من المواد الغذائية والأدوية والمشتقّات النفطية، وإرساله فرقاً إغاثية إليها بعد الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في شباط الماضي. ويتّفق مسؤولون عراقيون على أن التقارب بين دمشق وبغداد سينعكس على استقرار المنطقة، والعلاقات الاقتصادية والأمنية بين البلدَين، فضلاً عن مكافحة الإرهاب.
وعن هذا التقارب، يقول المتحدث باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، لـ«الأخبار»، إن «هناك اتفاقاً على تعاون سياسي وأمني، وسيكون الثاني بشقّين، منه ما يتعلّق بأمن الحدود والمنافذ الحدودية وتحصينها وتأمين المناطق الرخوة التي يمكن أن تلجأ إليها الجماعات الإرهابية، ومنه ما يتّصل بجهد مشترك لمكافحة تهريب المخدرات، والقضاء على هذه الآفة التي تهدّد الأمن الاجتماعي والاقتصادي للبلدَين الشقيقَين». وبخصوص تلبية السوداني الدعوة إلى زيارة سوريا، يجيب بأن هذا «سيكون بحسب الظروف التي يشخّصها رئيس الوزراء»، مضيفاً أن الأخير «رحّب بالدعوة التي تكتسي أهمية خاصة مع عودة سوريا إلى اجتماعات مجلس الجامعة العربية، وحضور الأسد قمّة جدّة».
من جهته، يرى عضو لجنة العلاقات الخارجية النيابية، عامر الفائز، أن «لعلاقات العراق مع سوريا خصوصية ثقافية ودينية وتاريخاً طويلاً من المشتركات في مجالات السياسة والاقتصاد والتجارة وغيرها»، معتبراً، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «الحكومة الحالية تختلف سياستها عن سابقاتها لناحية إعطاء الأولوية لتحسين ملفّ العلاقات الخارجية وخاصة مع الدول المجاورة. والعراق وسوريا هما في حالة تقارب تاريخية».
ويشير إلى أن «العلاقات بين البلدَين سابقاً كانت تتأثّر بالظرف السياسي والأمني الذي يَحكم البلدين، وإنّما في الوقت الحالي، الجميع أدرك أهمّية هذه العلاقات الإيجابية التي أخذت تنعكس على جميع بلدان المنطقة العربية». ويلفت إلى أن «زيارة السوداني للسعودية ولقاءه مع قادة عرب ومن بينهم الأسد، كانت لحظة تقارب مهمّة، ومن بعدها جاء وزير الخارجية السوري إلى العراق، وهذه كلّها مؤشّرات إلى أهمية العلاقات»، مؤكداً أن السوداني سيلبّي دعوة الأسد، وسيزور دمشق، من باب التعاون والتقارب.
وفي الاتّجاه نفسه، يعتقد الأكاديمي وأستاذ العلوم السياسية، إحسان الشمري، أن «علاقات العراق مع سوريا أخذت تدريجياً تتطوّر، بعدما كان هناك عداء منذ زمن النظام السابق وحتى في وقت النظام الحالي».
ويلفت الشمري، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «العراق في الوقت الحالي يمرّ بمرحلة جديدة من العلاقة مع سوريا، وذلك بحكم المشتركات بين البلدَين»، مضيفاً أنه «كان للعراق دور مختلف عن بقيّة الدول العربية في عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية وضرورة وجودها وعدم عزلها عن المنطقة، وكذلك التعاون الاستخباراتي الذي أفضى إلى تحالف رباعي بين سوريا والعراق وروسيا وإيران».
أمّا أستاذ العلاقات الدولية، سعدون الساعدي، فيَعتبر أن «الحكومة الحالية، وعلى رأسها السوداني، هي الراعية للتقارب بين العراق وجارته سوريا، التي تشترك معه في قضايا عدّة منها الدين والثقافة والسياسة وحتى المياه»، مشيداً، في حديث إلى «الأخبار»، «بالجهود العراقية في تعزيز سياساته الخارجية مع الدول، وعكس صورته بأنه يقف على مسافة واحدة من الكلّ ولا ينتمي إلى قطب معيّن ضدّ آخر».
ويشير إلى أن العراق وسوريا اتّفقا على جملة أمور خلال زيارة المقداد، منها ملاحقة «داعش» وإبرام اتّفاقيات مهمّة في الأمن والاقتصاد، مضيفاً أن من «مصلحة العراق التقارب مع سوريا، لكي يحقّق استقراراً أكثر، ويكون له بُعد استراتيجي في المنطقة».
في المقابل، يقول المحلّل السياسي السوري، أديب عبود، إن سوريا «رحّبت بعودة العلاقة، لأن السوريين لهم علاقة وطيدة وذكريات طويلة مع الشعب العراقي»، مضيفاً، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «سوريا والعراق بينهما مشتركات كثيرة، وهناك حاجة لدى الجانبين للوقوف جنباً إلى جنب ضدّ التدخّلات التركية والأميركية في بلداننا».
ويبدي عبود تفاؤله بالتقارب بين البلدَين، ويعتقد أنه سيلقي بظلاله على المنطقة لناحية الاستقرار والأمن والتعاون الاقتصادي والتجاري وغير ذلك، مشيراً إلى أن ثمّة أملاً كبيراً في استعادة هذه العلاقة القديمة، خاصة وأن هناك مشتركات في الحدود والثروات الطبيعية. ويشدّد على «وجوب استمرار اللقاءات بين الجانبَين، وأن يكونا ضدّ الإرهاب والمهرّبين والمتطرّفين الذين يحاولون زعزعة الاستقرار في سوريا والعراق».