عراقية تكسر المحظورات بشأن “التوحد”
قررت العراقية شيماء الهاشمي كسر المحظورات السائدة اجتماعيا، بنشر فيديوهات عن طفليها المصابين بالتوحد، ما جعلها عرضة للكثير من الاستهزاء والنقد، ولكن أيضا إلى الكثير من الإشادة والإعجاب.
هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، نقلت في تقرير لها، عن حالة شيماء الهاشمي الاجتماعية، وكيف أنها سئمت من عدم فهم طفليها المصابين بالتوحد من قبل المجتمع الذي يفضل التجاهل والنظر الى الناحية الأخرى، لتقرر التحرك من خلال نشر مقاطع فيديو عن حياتها العائلية.
ونقل التقرير بعض الانتقادات البشعة التي تعرضت لها الهاشمي حيث كتب لها أحدهم تعليقا على حسابها على “انستغرام” قائلا “لماذا أنت فخورة بهما؟ إنهما مجنونان، وبرغم حالتهما، أنت تكسبين المال من خلال طفليك”.
ولفت التقرير إلى أن المتصيدين يردون بذلك على مقاطع الفيديو التي حملتها الهاشمي، وهي أم لطفلين مصابين بالتوحد وفقدان البصر، وهي فيديوهات تعمل على تكسير المحرمات الاجتماعية من خلال تبادل الأفكار حول حياتهم العائلية في بغداد.
وقالت الهاشمي بحسب التقرير البريطاني: “لم ارغب في ان يعاني الآباء الآخرون مثلي، وأردت تقديم بارقة أمل لكل أم واب”.
وشيماء الهاشمي، والدة لثلاثة أطفال اثنان منهما مصابين بالتوحد، يغلب عليها طابع الهدوء، ولديها الآن 144 ألف متابع، إلا أن الطريق كان طويلا، بحسب قولها، مردفة: “منذ 17 عاما، لم نكن نعرف الكثير عن مرض التوحد، وكنا نعتقد أن الطفل سيجلس في زاوية، ولا يكون اجتماعيا، ولا يتكلم إلا قليلا”.
وأشار التقرير البريطاني، إلى أن آية (17 عاما) ومحمد (11 عاما) مصابان بالتوحد، كما انهما مكفوفان بسبب عدم اكتمال الطبقة الخارجية للدماغ والتي أثرت على العصب البصري.
وذكرت الهاشمي أن “آية كانت تبلغ من العمر أربع سنوات عندما بدأت تظهر عليها علامات التوحد”، ولا تتوفر أرقام رسمية لعدد الأطفال المصابين بالتوحد في العراق، ومن الصعب في أحيان كثيرة، الحصول على تشخيص لهذا المرض، وفقا للتقرير.
التوحد في العراق
في هذا الصدد، أفادت الأخصائية النفسية شذى خدوم، وهي مديرة مركز بابل للتوحد وصعوبات التعلم في بغداد، بأن حوالي 20 ألف طفل في العراق يعانون من التوحد.
ولم يستبعد التقرير أن يكون عدد هؤلاء أكبر بكثير لأن بعض الأهل يعتبرون إن الاعاقة مسببة ل”العار”، ويفضلون ألا يتم تصنيف أطفالهم بهذا الشكل.
وبحسب الخبيرة النفسية، لا يتوفر حاليا اي دعم حكومي لهذه الفئة بشكل محدد، ولا توجد مراكز حكومية أو مراكز ايواء مخصصة لهم.
كما لا توجد مدرسة متخصصة تقبل ضم الأطفال المصابين بالتوحد في العراق، بحسب شيماء الهاشمي، التي أشارت إلى أنها تستبعد إرسالهما إلى مدرسة خاصة، لأن هناك بعض الآباء الآخرين الذين قالوا إنهم حاولوا تسجيل أطفالهم المصابين بالتوحد، لكن أطفالهم غير مرحب بهم في الفصول الدراسية.
ولا تريد الهاشمي أن يعاني طفليها من هذه التجربة بحيث يلتحقان بمدرسة وهما يشعران بالفرح، ثم يخسران هذا الشعور، ما سيؤثر عليهما سلبيا، وفق تقرير هيئة الإذاعة البريطانية.
ولهذا، نوه التقرير إلى أن “هذا الوضع، دفع الهاشمي وزوجها الى استثمار وقتهما وجهدهما ومالهما من اجل قيامهما برعاية اطفالهما بأنفسهما، وتواصلت مع متخصصين في بريطانيا والسويد والولايات المتحدة، واتفقت على مدرس متخصص بطريقة التعليم بحروف (البرايل) لمحمد، مشيرة في الوقت نفسه الى أن محمد يظهر عناية كبيرة بشقيقته آية في حال رآها غاضبة.
وأوضح التقرير البريطاني، أن الهاشمي وعائلتها يواجهون الكثير من التحديق من الناس في الاماكن العامة، وتقول إن هذه التصرفات من جانب الناس تؤثر عليها نفسيا وتشعر أحيانا انها ترغب بالعودة الى منزلها وتجنب الخروج مع اطفالها مجددا.
وفي محاولة للحد من تصرفات عموم الناس، فان الهاشمي جلبت لطفليها شارة كتب عليها “انا مصاب بالتوحد، كن صبورا معي”.
لكن الهاشمي ترى أيضا مؤشرات على حدوث تغيير في طريقة تفكير المجتمع، وهي فتحت صفحتها على “انستغرام” في العام 2020، وكانت في البداية تتلقى تعليقات مثل “لماذا هذه الفتاة تتحدث بهذا البطء الشديد؟”.
وبينما سعت الهاشمي بداية إلى تجاهل هذه التعليقات، إلا أنها لاحظت لاحقا أن بعض المتابعين لصفحتها هم من يقومون بالرد والتعليق قائلين أن آية تعاني من التوحد.
واعتبر التقرير، أن ذلك يمثل خطوة ايجابية، الا انه اشار ايضا إلى الضغوط الجسدية والنفسية التي يواجهها الوالدان، إذ أن محمد احتاج الى عامين لتعلم العزف على البيانو، في حين تضطر الهاشمي الى تكرار الكلمات لآية مرات عدة يوميا لأجل تطوير قدرتها على التواصل. ونقل التقرير عن الهاشمي قولها “كان لدي في السابق خوف شديد مما سيأتي، فيما يتعلق بحالة أطفالي، ماذا سيحدث لهم في حال لم أكن قريبة منهما، وهذه أفكار تطارد كل أم يوميا، والآن الامر ليس كذلك، وصار لدي الأمل والحافز. آية أصبحت تعتمد على نفسها بنسبة 70٪ من الوقت ومحمد بنسبة 90٪.”
وختمت شيماء الهاشمي، حديثها لهيئة الإذاعة البريطانية، بتوجيه نصيحة إلى الأهالي، مفادها “تحلوا بالصبر.. إذا قمت بتوبيخهم، أو شعروا أنك منزعج، سينتهي الأمر، وقد يكون من الصعب تحقيق تقدم حاليا، ولكن من يدري في غضون عام أو عامين”.