إلى أين وصلت مساعي الحكومة العراقية لاستخراج الغاز؟
مساع عراقية متكررة في المضي قدما في استخراج الغاز من الحقول المجمدة على أراضيه، حيث تأتي تأكيدات رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، مؤخرا، على مضيّ حكومته بمشروع استثمار الغاز في مشاريع الطاقة وتوليد الكهرباء، ضمن مساعي تحقيق إيرادات مالية، وإنهاء استيراد العراق للمنتجات الوقود الأحفوري.
كما وأعلن السوداني أنّ العراق سينهي استيراد الغاز من إيران والخارج خلال 1-3 سنوات، مؤكدا بأنّه ركز في عمله خلال توليه منصب رئاسة الوزراء في الخمسة أشهر الماضية على ملف الطاقة.
السوداني أشار أيضا الى الغاز المصاحب للنفط، منوهاً الى أنّه “هناك حرق للمال” في إشارة إلى هدر الثروة الغازية، مبيناً “يتم حرق 1200 مقمق يوميا، في حين يستورد العراق من ايران 1000 مقمق يوميا”.
إن هدر الغاز بحسب السوداني يكلف البلاد ما يقارب 4 مليارات دولار سنويا، مؤكدا على إنهاء الحكومة الحالية استيراد الغاز من الخارج خلال سنة إلى 3 سنوات مقبلة. حيث ستتضمن الاتفاقية مع شركة “توتال”، توفير الشركة الفرنسية 600 مقمق من الغاز خلال 3- الى 5 سنوات مقبلة.
الغاز العراقي قادر على الاعتماد الذاتي؟
لطالما يثير العديد من المراقبين تساؤلا حول إمكانية العراق في الاعتماد الذاتي على نفسه لإنتاج الغاز، مقابل الاستغناء عن استيراده من إيران، وفيما إذا كانت العراق قادرة على أن تصبح منافسا حقيقيا لقطر وروسيا في تصدير الغاز إلى أوروبا.
نظرا لأنّ الاقتصاد العراقي هو اقتصاد ريعي يعتمد كليا على النفط ومبيعاته المتذبذبة والتي ترنحت أصلا نتيجة تقلب الأسعار لعدة مرات، علاوة على أنّ الصناعة النفطية بالعراق عانت الإهمال والتردي وتراجع المستوى.
هنا يرى الكاتب والباحث في الشأن العراقي والدولي د. حيدر سلمان، في تصريحات خاصة لـ”الحل نت”، بأنّ الصناعة النفطية بدأت تتصاعد ليصل أعلى إنتاج للبلاد إلى ما يقارب من 4.5 مليون برميل في أعلى الحاجة الدولية والآن 3.4 مليون برميل لالتزامه بقرارات (أوبك +) التي تتحكم بها كل من السعودية وروسيا لضبط الأسعار وموازنة فائدة البائع والمستهلك، وهو ما ثبت أسعار النفط بحسب رؤية سلمان.
يشير الباحث في الشأن الدولي إلى أنّ هذا الثبات النوعي بالسعر دفع الحكومة الحالية لوضع رؤى وموازنة ثلاثة أعوام، والاندفاع نحو استغلال الغاز لتنويع مصادر الاقتصاد حيث كان المفترض على العراق استغلال الغاز المصاحب و الغاز الأولي، حيث العراق منذ مرحلة اكتشاف نفطه منذ مئة عام وللآن وغازه يُحرق، فيما هو وبلدان مجاورة له بأشدّ الحاجة للغاز، ما دفعه للاستيراد من إيران كونه أرخص غاز، رغم أنه غاز رديء والعراق بسببه يتعرض لضغوط دولية؛ ولا يستطيع استيراد الغاز القطري لغلائه، منوها إلى أنّ العراق يدفع ما يقارب من 6 مليار دولار سنويا لشراء مشتقات نفطية، و2 مليار دولار لشراء الغاز من إيران.
سلمان أكد بأنّ خطوة استخراج الغاز من العراق هي خطوة طموحة لكنّها تصطدم بواقع تلكؤ الشركات العالمية وتقلبات السياسة في العراق التي تبعد هذه الشركات، حتى أنّ استغلال الغاز المصاحب للنفط الخام، وللآن لا يشكل سوى 15 بالمئة مما يحرق، كما أنّ العراق يحتكم على أربع حقول كبيرة أولية لإنتاج الغاز وهي خورمور، المنصورية، السيبة، عكاز.
أما من جهة الصناعات التحويلية والتكريرية النفطية فالعراق بحسب ما يشير إليه المحلل بالشأن العراقي سلمان، قد تراجع ليعود ويتصاعد مستواه حيث فقد خدمات مصفى بيجي في صلاح الدين إثر احتلال المحافظة من قبل تنظيم “داعش” الإرهابي وتدمير المصفى كلياً، ومن ثمّ تصاعدت قدرته إثر زيادة الوحدات في مصفى الشعيبة بشكل كبير، ومؤخرا أدخل مصفى كربلاء للخدمة.
سلمان كشف أنّ حكومة السوداني الآن تتجه لتسريع ملف استغلال الغاز المصاحب ومن ثمّ استغلال الغاز الأولي. الخطة طموحة والأمر يحتاج بين 4 إلى 8 سنوات لحين ما تكتمل خطط استغلال الغاز والأمر يحتاج استقرار سياسي. ولا يتعلق الأمر فقط بالتعاقد مع الشركات ذات الاختصاص.
مسألة الغاز في العراق شديدة التعقيد
تبقى مسألة الغاز مسألة شديدة التعقيد، فالعراق يملك خزين من الغاز، وخاصة غاز “عكاز” والذي يمثل أحد أكبر خزانات الغاز بالعالم؛ والذي قد يغير استراتيجيا مسألة الغاز عالميا وليس على مستوى العراق، وذلك وفق حديث رئيس “مؤسسة المستقبل” العراقية، انتفاض قنبر في حديثه لـ”الحل نت”.
قنبر أوضح بأن الغاز في العراق نوعين، هما غاز “Gas Flaring” وهو من الغازات المنبعثة من حقول النفط في البصرة وكركوك وغيرها التي يتم حرقها يوميا وتلويث الجو وهدر المليارات من الدولارات، وهذا بالإمكان استثماره نسبيا بشكل سريع، ولكن هناك تلكؤ كبير، معتبرا بأن أحد أسباب التلكؤ تتعلق بسوء الإدارة وعدم وجود رؤية، وكذلك التدخلات الإيرانية في منع استغلال هذا الغاز، لأنّ هذا الغاز ينافس الغاز الإيراني الذي يمثل مصدرا اقتصاديا مهما لإيران عبر بيعه للعراق.
قنبر أكد بأنّ الغاز في اقليم كردستان يتم استخراجه، لكنّ الميليشيات التابعة لإيران قامت بضرب مصادر هذا الغاز قبل عام، مما يدلل أنّ هناك محاولات لتحجيم العراق من إنتاج أي غاز بسبب السوق الإيراني المنافس، منوها إلى أنّه لا يوجد خطط حقيقية من قبل رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، “ما رأيناه هو مجرد تصريحات تخص ذلك، ولكن خطوات عملية لم تتخذ، ولحد اللحظة لم يحصل أي تقدم، بل إنّ العراق وقع عقودا مع إيران لاستيراد الغاز لفترة طويلة نسبيا، وهذا يدلل على أنّه ليس هناك جدية من قبل الحكومة العراقية الحالية، بل أنّ هناك تباين بين التصريحات الرسمية والتطبيقات العملية في حكومة يسودها التأثير الإيراني”.
ويضيف قنبر “العراق إذا استغل الغاز المحترق أولا كخطة أولى ثمّ الغاز الموجود في الحقول الأخرى كحقل عكاز لن يكون مكتفيا فقط، بل سيكون مصدرا كبيرا لأوروبا والمنطقة، وسيحصل هناك تغيير استراتيجي في خارطة الجيوبوليتيكية في المنطقة”.
إن مسألة استخراج الغاز في العراق وبخاصة الموجود في حقل “عكاز” هو مسألة جيوبوليتيكية وسياسية قبل أن يكون عملية فنية لاستخراج الغاز. “إذا ما حصل ذلك سيكون العراق من المصادر المهمة لأوروبا المعتمدة على روسيا وقطر، حيث سيكون العراق بديلا عن هاتين الدولتين، إضافة إلى أنّه سيمثل مورد هائل مالي للعراق”.
إن العراق في هذه المرحلة لن يكون قادرا على دخول أسواق الطاقة كأحد كبار المنافسين الدوليين على هذه المادة الحيوية، ويبدو أن العراق يتجه نحو الاعتماد على القدرات العراقية وخزين البلد من الغاز للاكتفاء الذاتي، وفق ما أشار إليه الباحث في “مركز العراق للدراسات الاستشرافية”، رائد الحامد في تصريحات خاصة لـ”الحل نت”.
إنّ الاستثمارات الخارجية سواء الشركات الكورية أو الخليجية التي حاولت العمل على استخراج الغاز من حقل “عكاز” الذي يحوي احتياطات هائلة تضع العراق في المراتب الاولى من بين الدول المنتجة والمصدرة للغاز الطبيعي المسال، غير أن هذه الشركات واجهت صعوبات طيلة السنوات الماضية جراء التهديدات الأمنية التي كانت التنظيمات الإرهابية تشكلها.
بعد تلك المرحلة ظهرت عراقيل أخرى ذات طابع سياسي حيث تفرض فصائل مسلحة حليفة لإيران نفوذا أمنيا في غرب العراق، دافعها الرئيسي عرقلة أية خطوات بهذا الاتجاه.
مصطفى العر – باحث وكاتب صحفي فلسطيني مهتم بشؤون الشرق الأوسط، والإسلام السياسي.