“الحسم”… تحالف عراقي جديد بوجوه قديمة
أُعلن في العاصمة العراقية بغداد، مساء الثلاثاء الماضي، عن تشكيل تحالف “الحسم” لخوض الانتخابات المحلية، المقرر إجراؤها في 18 ديسمبر/كانون الأول المقبل. وضمَّ التحالف معظم الوجوه السياسية العربية السنّية المعروفة التي شاركت في العمل السياسي بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003.
وتعرض التحالف إلى انتقادات واسعة، لا سيما عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كونه لم يخرج عن نطاق الطائفية والمناطقية، إلى جانب التذكير باتهام بعض أعضائه بقضايا فساد مالي وإداري، فيما كان قد اعتُقل بعضهم.
وزير الدفاع رئيساً لـ”الحسم”
وبحسب البيان الذي أعلنه التحالف في مؤتمره الصحافي، فقد اختير وزير الدفاع الحالي ثابت العباسي رئيساً للتحالف بحضور بقية أطرافه، وهم رئيس حزب الحل جمال الكربولي، ورئيس مجلس النواب الأسبق أسامة النجيفي، ووزير المالية الأسبق رافع العيساوي، والنائب السابق قتيبة الجبوري، ووزير التجارة الأسبق سلمان الجميلي.
وقال أسامة النجيفي، خلال المؤتمر، إن “التحالف الجديد يضم أحزاباً وشخصيات معروفة، ولها مسيرتها السياسية وإمكاناتها وفهمها لجوهر ما هو مطلوب في المرحلة المقبلة”. وأضاف أن “بلدنا عاش مراحل مريرة، وعانى من الإرهاب والفساد والسلاح المنفلت، وعلى الرغم من كل الجهود الخيّرة التي يبذلها رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، ونحن ندعمها بقوة، فما زال الطريق طويلاً لتحقيق ما تطمح إليه جماهيرنا في العراق، وبشكل خاص في المحافظات المحررة”.
وتابع أن تلك المحافظات “عانت الكثير وتعرّضت إلى تهميش وتكالب على استنزاف ثرواتها وحقوقها، ما يجعل التصدي لأي نهج خارج الدولة وخارج القانون مهمة ليس لأي مخلص التردد في خوضها، والدفاع عن كلمة الحق والقانون في كل مكان”.
وبحسب مصادر سياسية، فإن التحالف الجديد ضمَّ غالبية الشخصيات السنّية القديمة سياسياً في العراق، كما أن هدف التحالف الأساسي هو منافسة حزبي تقدم بزعامة محمد الحلبوسي، والسيادة بزعامة خميس الخنجر، اللذين باتا الأكثر انتشاراً في معظم المدن العراقية ذات الغالبية العربية السنّية، شمالي وغربي البلاد، وتحديداً في محافظة الأنبار.
ويمنع الدستور العراقي انخراط وزراء الدفاع والداخلية والقادة العسكريين في أي نشاط سياسي، لكن ظهور وزير الدفاع ثابت العباسي بصفته رئيساً لهذا التحالف الانتخابي أثار جدلاً سياسياً آخر في البلاد، من دون أن تعلّق الحكومة العراقية أو دائرة الأحزاب التابعة للمفوضية العليا للانتخابات على ذلك حتى نهار أمس الخميس.
ويمتلك غالبية أعضاء هذا التحالف علاقات إيجابية بالقوى المنضوية ضمن “الإطار التنسيقي”، وكذلك بعض الفصائل المسلحة الحليفة لإيران، وهو ما دفع بعض المراقبين إلى اعتبار أن هذا التحالف يحظى بتأييد تلك القوى التي تتقاطع أغلبها مع رئيس البرلمان محمد الحلبوسي على وجه التحديد.
عضو تحالف “الحسم” محمد العيفان قال لـ”العربي الجديد” إن “حزباً محدداً عمل خلال الفترة الماضية على إزاحة جميع الأحزاب السنّية من أجل التحكم في مصير المحافظات المحررة وتحديداً الأنبار”، في إشارة ضمنية إلى حزب تقدم بزعامة محمد الحلبوسي من دون تسميته.
وتابع: “كان هذا الحزب يظن أن الساحة قد خلت له وحده، لكن ظروفاً سياسية متعددة جعلت الصوت الوطني في تلك المناطق يخفت، والآن عاد من أجل المشاركة في القرار السياسي”، مشيراً إلى أن “المرحلة المقبلة ستشهد إزاحة من سرق وتلاعب بخيرات تلك المدن”.
انتقادات لعودة الوجوه القديمة
الناشط المدني عمر الدليمي قال لـ”العربي الجديد إن “معظم هذه الشخصيات لم تقدّم شيئاً في السنوات الماضية، بل كانت سبباً رئيسياً في ما آلت إليه أوضاعنا بعد عام 2014 واجتياح تنظيم داعش”، مضيفاً أن “هناك شخصيات استعملت الخطاب الطائفي سياسياً لشحن الشارع والآن عادت، وهذا أمر غير جيد”.
لكن جمال العاني من سكان الأنبار اعتبر أن “خطوة إعلان التحالف بمثابة تأكيد فشل المحافظات الغربية والشمالية في إنتاج حركات مدنية أو مشاريع سياسية جديدة على غرار ما شهدته مدن جنوب العراق ووسطه”.
وأضاف العاني لـ”العربي الجديد” أن “العودة للوجوه نفسها الموجودة منذ نحو 20 عاماً إشارة سيئة، خصوصاً أننا حتى الآن لم نشاهد أحزاباً أو حركات أو حتى شخصيات مستقلة تقدّم نفسها على أنها بديل سياسي جديد عنهم”. واعتبر أن بقاء الصراع السياسي بين وجوه قديمة وأخرى أقدم يعني ضعفاً كبيراً في نسبة المشاركة في الانتخابات.
من جهته، انتقد الإعلامي ومقدم البرامج السياسية هشام علي، عبر “تويتر”، تشكيل تحالف “الحسم” قائلاً: “لأول مرة في تاريخ النظام السياسي يتشكل تحالف يمثل (جمعية) للوزراء والمسؤولين المتهمين بالفساد، وإن 90 بالمائة منهم مشمولون بقضايا نزاهة وتهم فساد، وبعضهم مقال بسبب فساده، والظريف أنهم رفعوا شعار الحفاظ على أموال المناطق السنّية ومكافحة الفساد، أعان الله المحافظات المنكوبة والمنهوبة”.
أما الباحث والمحلل السياسي عبد الله الركابي فرأى أن “عودة التحالفات الطائفية ضرورية لاستمرار عمل الأحزاب التقليدية وبقائها على قيد الحياة، لأن الطائفية هي الخيار الأول والأخير لهذه الأحزاب كي تتحدث بعد الانتخابات عن حصص المكون الذي تنتمي إليه، على الرغم من أن الشعب العراقي يرفض هذه الصيغة”.
وأضاف، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “أساس عمل الحكومات المحلية أو الحكومة الاتحادية هو تقاسم السلطات والمناصب وفق المحاصصة الطائفية، بالتالي فإن خيار الخطاب الوطني العابر للطائفية لا يخدم أي حزب”.
واعتبر الركابي أن “تحالف الحسم، أو غيره من التحالفات التي ستُعلن خلال الأيام المقبلة، سواء السنّية أو الشيعية، ما هي إلا نهايات للأحزاب التقليدية، لا سيما أن كل المؤشرات تفيد بقلة المشاركة الانتخابية بالنسبة للجمهور العراقي بسبب حالة اليأس وغياب البديل الوطني الحقيقي”.