زيارة إردوغان “المرتقبة” إلى العراق.. “خطوة كبيرة” و3 ملفات ساخنة
نتظر العراق زيارة يقوم بها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، وفقا للرواية الرسمية في بغداد، وهي خطوة ستكون في حال تم تأكيدها من جانب أنقرة، الأولى من نوعها منذ أكثر من عقد، فيما يراها مراقبون “كبيرة”، لاعتبارات تتعلق بالتوقيت، وملفات النقاش الساخنة التي لطالما وضعت ضمن دائرة “إشكالية ومعقدة”.
وكانت آخر زيارة لإردوغان إلى العراق في مارس 2011، عندما كان في منصب رئيس الوزراء، بينما تأتي زيارته “المرتقبة” في أعقاب فوزه بولاية رئاسية ثالثة، وبالتوازي مع التحركات المستجدة على صعيد السياسة الخارجية، التي انعكست خلال الأيام الماضية بالزيارات التي أجراها لعدة دول، أبرزها السعودية والإمارات وقطر.
وترتبط تركيا بالعراق بحدود طويلة، فيما تهيمن على العلاقة بينهما منذ سنوات ملفات معقدة، على رأسها “حزب العمال الكردستاني” والعمليات التي ينفذها الجيش التركي ضده في شمال العراق، والقضية المتعلقة بالمياه، والمسار التجاري والاقتصادي الثنائي، والخطط “الطموحة” التي سبق أن تم كشف النقاب عنها من قبل بغداد وأنقرة.
وقال بيان صادر عن المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي، الثلاثاء، إن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني استقبل السفير التركي لدى العراق، علي رضا كوناي، وبحث معه ملفات عدة بينها “الزيارة المرتقبة للرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى العراق”.
ونقل موقع “شفق نيوز” عن مصدر حكومي مطلع القول إن إردوغان “سيجري زيارة رسمية إلى العراق الأسبوع المقبل، سيلتقي خلالها مع الرئاسات العراقية الثلاث، ومع القيادات السياسية العراقية أيضا”.
وأضاف المصدر، وفقا لذات الموقع، أن “زيارة إردوغان تهدف إلى مناقشة 3 ملفات مهمة مع السوداني، تتعلق بمكافحة حزب العمال الكردستاني وملف المياه، وكذلك إعادة تصدير نفط إقليم كردستان العراق عبر ميناء جيهان التركي”.
ولم يصدر أي تعليق من الجانب التركي حتى الآن بشأن الزيارة المرتقبة التي تحدثت عنها الأوساط الرسمية العراقية، وكذلك الأمر بالنسبة لوسائل الإعلام المقربة من الحكومة.
ومع ذلك، توقع مراقبون أتراك وعراقيون لموقع “الحرة”، أن يجري إردوغان الزيارة المرتقبة، وأن خطوته وبينما تأتي في إطار “السياسات الجديدة لتركيا في الإقليم”، ستكون “هامة على نحو أكبر”، قياسا بباقي الخطوات التي بدأتها أنقرة مع عواصم عربية، خلال الأيام الماضية.
ويشير إلى ذلك الباحث السياسي التركي، عمر أوزكيزيلجيك، إذ لا يعتقد أن زيارة إردوغان “المرتقبة” ستكون مشابهة للرحلة الخليجية التي أجراها مؤخرا.
ويقول لموقع “الحرة” إنها “ستكون مختلفة، كون العلاقات العراقية التركية ذات خلفية جيوسياسية واستراتيجية أكثر بكثير، ناهيك عن الجوانب الاقتصادية الأخرى”.
“الأمن أولوية”
وكان السوداني أجرى زيارة إلى أنقرة في مارس الماضي، على رأس وفد وزاري وأمني كبير، والتقى حينها إردوغان وناقش الجانبان ملفات عدة، أبرزها الأمن والحدود والمياه والطاقة وتوسيع نطاق التجارة بين البلدين.
وكان لافتا خلال تلك الزيارة إعلان إردوغان، في مؤتمر صحفي، بدء العمل على مشروع “طريق التنمية” الممتد من البصرة في العراق إلى تركيا، الذي وصفه بأنه “طريق حرير جديد”.
وفي حين أضاف الرئيس التركي أن بلاده تنتظر من العراق توصيف “حزب العمال الكردستاني” كتنظيم إرهابي، أشار إلى أزمة المياه بالقول إنه “ومن خلال التعاون العقلاني والعلمي يمكن معالجة القضية العابرة للحدود”.
ولم يخلو حديثه، حينها، عن حجم التبادل التجاري مع العراق وضرورة زيادته إلى مستويات عليا. وهذه القضية لطالما كانت على رأس الملفات التي وضعها إردوغان على قائمة جدول أعمال زياراته الخارجية التي أجراها في أعقاب فوزه بولاية رئاسية ثالثة.
ويعتقد الباحث السياسي العراقي، مجاهد الطائي، أن “زيارة إردوغان المرتقبة ستحمل رؤية جديدة للعلاقات بين البلدين، خاصة بعد تعيين مدير المخابرات السابق وزيرا للخارجية (حقان فيدان)؛ بمعنى أن ملف الأمن سيبقى أولوية لتركيا”.
وسيحمل الاقتصاد والتجارة و”مشروع طريق التنمية” الذي سيعتمد على تركيا وصولا لأوروبا مع تصدير النفط والغاز ومشاريع الطاقة العالمية “أهمية” لا تقل عن الأمن ومحاربة “حزب العمال الكردستاني”.
ويشير الطائي في حديث لموقع “الحرة” إلى قرار المحكمة الدولية لصالح العراق وتغريم تركيا حوالي مليار ونصف المليار دولار، على خلفية تصدير نفط كردستان من دون موافقة الحكومة العراقية.
ويضيف أن ما سبق “سيأخذ مجالا في الحوارات، مع رغبة تركيا بالتنازل عن القضية لكي تسمح بإعادة فتح خط جيهان لتصدير النفط”.
ويوضح الكاتب والباحث في الشأن العراقي، جاسم الشمري، أن “ملف إعادة تصدير النفط العراقي عبر كردستان سيكون أولوية للنقاش خلال الزيارة المرتقبة”، ويتوقع أن “يكون هناك مقايضة تركية مع الجانب العراقي بخصوص الغرامة المقدرة بمليار ونصف المليار دولار”.
ويرى الشمرين في حديثه لموقع “الحرة”، أن “هذه القضية قد تحسم”، في وقت قد تتخذ خطوات فيما يتعلق بمشكلة المياه و”مشروع التنمية”، والمنتدى العراقي التركي المزمع عقده في البصرة، الذي سيشمل الربط بين المدينة العراقية وديار بكر.
ويوضح الباحث التركي أوزكيزيلجيك أن “العلاقات الاقتصادية تحظى بأهمية كبيرة لكل من العراق وتركيا”، و”يعتبر العراق سوق تصدير ضخما إلى تركيا”.
لكنه يضيف أن “هذه العلاقات تأثرت ببعض القرارات التي تصدر بين فترة وأخرى من كلا الجانبين”.
“ملفان كبيران”
وتمتلك تركيا قواعد عسكرية في شمالي العراق، تقدرها وكالة رويترز بـ”العشرات”، تبدأ من الحدود العراقية التركية وتنتشر عبر الجبال وحتى مناطق متقدمة من محافظة نينوى، على بعد 200 كيلومتر تقريبا من الحدود بين البلدين.
وانتقدت الحكومة العراقية تكرارا، طوال سنوات، الوجود التركي، لكنها لم تأخذ خطوات عملية حذرا كما يبدو من تهديد العلاقات مع تركيا، حسب وكالة “رويترز”.
وفي غضون ذلك يعاني العراق بشدة من نقص المياه، وتقول بغداد إن هذه الأزمة سببت بتصحر نحو 70 بالمئة من الأراضي الزراعية في البلاد، بينما تلقي باللوم على كل من تركيا وإيران بشأن إقامة السدود التي قللت الحصة المائية للعراق بشكل كبير.
ومنذ سنوات، يحاول العراق الحصول على إطلاقات مائية أكبر من الأنهار التي تنبع من كلا البلدين، لكن مشاريع السدود التي يقيمها البلدان على تلك الأنهار تسببت بانخفاض واردات العراق المائية بشكل كبير.
وفي الرابع من يوليو الماضي، سجل العراق نفوق أطنان من الأسماك النهرية في نهر بمدينة العمارة جنوبي البلاد، وأرجع المتخصصون المشكلة إلى تردي نوعية المياه.
وقال مستشار لجنة الزراعة البرلمانية السابق عادل المختار إن نقص الواردات المائية أدى إلى انخفاض جودة المياه في النهر بشكل كبير، وجعله غير مناسب لعيش الأسماك، مضيفا في حديثه لموقع “الحرة” أن الخبراء حذروا من تأثر الثروة السمكية والثروة الحيوانية بشكل عام بانخفاض مناسيب المياه المستمر.
ويكتسب العراق “أهمية كبيرة بالنسبة لتركيا على صعيد الاقتصاد والتجارة ومكافحة الإرهاب”، ولذلك فإن “زيارة إردوغان المرتقبة تعكس هذه الأهمية وستدشن حقبة جديدة في علاقات البلدين”، حسب ما يقول الباحث في الشأن التركي، محمود علوش.
ويوضح علوش لموقع “الحرة” أن “أنقرة تولي أهمية متزايدة للتعاون مع بغداد في مكافحة حزب العمال الكردستاني، وهذا جزء من توجّهها الجديد لتعزيز التعاون مع الفاعلين الإقليميين في مكافحة الإرهاب”.
و”هناك نقطة مشتركة يُجمع عليها البلدان في هذه المسألة، وهي أن وجود حزب العمال الكردستاني في شمال العراق يُسبب مشكلة لكليهما ولإقليم كردستان العراق، والتعاون بين هذه الأطراف يُساعد في الحد من قدرة التنظيم على الحركة في المنطقة”.
من جانب آخر يشير الباحث إلى أن “العراق من بين أكبر الشركاء الاقتصاديين لتركيا في المنطقة العربية، والسوق العراقي حيوي للاقتصاد التركي على صعيد المبادلات التجارية والاستثمارات، التي تُعد جذابة للشركات التركية خصوصا في مجال المقاولات والبناء وغيرها”.
ولذلك فإن “الاقتصاد ومكافحة الإرهاب والمياه من المسائل الحيوية التي تفرض على تركيا والعراق التعاون الثنائي بشكل فعال”، وفق ذات المتحدث.
ويرى الباحث العراقي، مجاهد الطائي، أن “الحكومة العراقية الحالية وما قبلها لم تكن لديهم رؤية واضحة حول العلاقات الخارجية”.
ويقول إن “عدم التوصل إلى صيغة لحل القضايا العالقة من أمن ونفط ومياه وتجارة واقتصاد ستبقى في إطار حلها كيف ما اتفق، بهدف استمرار الوضع الراهن من دون أزمات في ظل مصالحات إقليمية تشهدها المنطقة”.
ويعتقد الكاتب العراقي الشمري أن “الزيارة تأتي في إطار توجه تركي للانفتاح على العالم العربي”.
وكان هذا التوجه استهدف في مرحلة ما بعد الانتخابات كل من الإمارات والسعودية وقطر، إذ وقع إردوغان سلسلة اتفاقيات اقتصادية شملت قطاعات الدفاع.
وجاء ذلك في الوقت الذي يحاول الرئيس التركي اتخاذ إجراءات للخروج من الأزمة المالية والاقتصادية التي تعيشها البلاد، التي باتت تعكسها مستويات التضخم وقيمة الليرة في سوق العملات الأجنبية.
وإلى جانب التواجد التركي والعمليات العسكرية التي ينفذها الجيش في شمال العراق ضد مسلحي “حزب العمال الكردستاني” ستكون أزمة المياه التي يعيشها العراق على قائمة ملفات نقاش الزيارة المرتقبة.
ويمر العراق بأزمة كبيرة في الوقت الحالي وهناك “جفاف في الأهوار الواقعة في جنوبه والبحيرات الموجودة في غربه”.
ويقول الشمري: “العراقيون باتوا يعبرون نهر دجلة بالأقدام. ملف المياه سيكون الأكبر، ودليل ذلك أن زيارة السوداني الأخيرة إلى أنقرة تمخض عنها فتح الإمدادات التركية لمدة شهر”.
“ملف المياه سيكون من الملفات القابلة للتفاوض بين الطرفين”، وفق ذات المتحدث.
وكانت تركيا “حاولت منذ فترة طويلة إنشاء قناة مباشرة لحل القضايا مع بغداد، ولازالت تعمل على ذلك عبر قنوات ثنائية”، بحسب الباحث التركي أوزكيزيليجيك.
وتعتبر المياه أهم هذه القضايا، إلى جانب القضية المتعلقة بـ”محاربة حزب العمال الكردستاني”.
ويوضح الباحث أن “منطقة سنجار يجب أن يسيطر عليها الجيش العراقي، وكذلك الأمر بالنسبة لمعسكر محمود”، وأن “هذين يالموقعان باتا معقلا للحزب الإرهابي”.
وعندما يتعلق الأمر بالمياه، “هناك بعض الأشياء التي يمكن أن تتفق عليها تركيا والعراق، رغم أن الاحتباس الحراري وتغير المناخ يؤثران أيضا على الأولى”.
ويعتبر أوكيزيلجيك أن “أزمة المياه لا تقتصر على العراق فحسب، فتركيا لديها مشاكلها الخاصة أيضا، كون الأنهار التي تتدفق منها باتجاه العراق قد انخفض منسوبها عما كانت عليه في الماضي”، ولذلك يرى أنه “على العراق أن يعالج الأزمة التي يعيشها من خلال معالجتها ضمن هيكل حكومي”، حسب تعبيره.
“أوراق قوة”
وكان المتحدث باسم وزارة الموارد المائية، خالد شمال، قال لوكالة “فرانس برس”، في يوليو الماضي إن “العراق الآن لا يتسلم إلا 35 بالمئة من استحقاقه الطبيعي من المياه”.
وأضاف أن “ذلك يعني أن العراق فاقد 65 في المئة من استحقاقاته من المياه الخام، سواء في دجلة أو الفرات”.
لكن إردوغان، خلال لقائه السوداني في أنقرة قبل أشهر، قال إنه “على دراية بمشكلة شح المياه المتفاقمة التي يواجهها العراق”، عازيا الأمر بالقول إن “الهطولات المطرية في تركيا في أدنى مستوى خلال الـ62 عاما الأخيرة، وأن البلاد تمر بفترة جفاف فاقمها تغير المناخ”.
ونوه، قبل أربعة أشهر، إلى أن “تركيا ورغم تلك الظروف السلبية، قررت زيادة كمية المياه المتدفقة من نهر دجلة قدر الإمكان لمدة شهر واحد، من أجل رفع ضائقة البلد الجار”.
ويعتبر الباحث علوش أن “كل طرف لديه أوراق قوة في هذه العلاقة ويسعى لاستثمارها من أجل انتزاع ما يُريده من الطرف الآخر”. ولذلك “وعندما يسود منطق التعاون والفوائد المتبادلة تُصبح العلاقة مثمرة بشكل أفضل”، حسب قوله.
ويضيف علوش أن “الاهتمام التركي بتعزيز العلاقات الجديدة مع العراق يعكس السياسات الجديدة لتركيا في الإقليم، التي تُركز على تصفير المشاكل مع القوى الفاعلة وبناء شراكات مُتعددة الاتجاهات”، مشيرا إلى أن “العراق محوري في هذا التوجه”.