ما هو “الأرق العائلي المميت”؟
هل تعاني من الأرق ليلاً؟ إذا كانت إجابتك هي: نعم، فلا بد أنك تعتقد أنه الأمر الأسوأ على الإطلاق؛ فهو يحرمك من الراحة التي تحتاج إليها ليلاً ومن الطاقة التي تعينك على إتمام يومك نهاراً، مع ذلك يعتبر الأرق العادي مشكلة بسيطة للغاية إذا ما قورن بما يسمى بـ”الأرق العائلي المميت”، فما هو هذا المرض، وهل هو قاتل حقاً كما يوحي اسمه؟
يمكن أن يسبب الحرمان من النوم كثيراً من الآثار الجانبية السيئة، فإضافة إلى التعب الشديد الذي يسببه من الممكن أيضاً أن يؤدي إلى حالات أكثر تعقيداً مثل فقدان الذاكرة على المدى القصير، لكن الخبر السار هو أن معظمنا يتعافى من قلة النوم، أما الخبر السيئ فهو أن أولئك الذين يعانون من مرض يعرف باسم الأرق العائلي المميت، يعتبرون استثناء من هذه القاعدة.
على الرغم من أنه لا أحد يعرف على وجه اليقين من هو أول شخص أصيب بهذا المرض، فإن العلماء يقدرون أنه قد يكون رجلاً إيطالياً عاش في أواخر القرن الثامن عشر. إذ توفي هذا الرجل بسبب ما يبدو أنه أعراض للمرض في عام 1765، كذلك توفي رجل آخر من البندقية في عام 1836، بظروف مماثلة.
وسواء كان هذان الرجلان هما أصل مرض الأرق العائلي المميت أم لا، فقد قاما بنقل المرض إلى أطفالهما، ولم يقتصر الأمر على تدمير تلك العائلات فحسب، بل استمر حتى يومنا هذا.
مع ذلك لا يدعو الأمر إلى القلق كثيراً، إذ يعتبر الأرق العائلي المميت من الأمراض النادرة للغاية، وقد توفي بسببه نحو 100 شخص فقط.
ما هو الأرق العائلي المميت؟
هو مرض تنكس عصبي جسمي سائد، وهذا يعني أنه اضطراب وراثي يسببه جين معيب في زوج واحد من الكروموسومات. وعند الإصابة بهذا المرض يصبح الشخص غير قادر على النوم ليلة بعد ليلة إلى أن ينهار الجسم تماماً.
الأرق العائلي المميت هو ما يُعرف أيضاً بمرض البريون، وهو مرض نادر يكون فيه البروتين الطبيعي الموجود في الجسم، البروتين الخلوي (PrPC)، معيباً.
ومن الممكن أن يظهر الأرق المميت تلقائياً لدى فرد داخل عائلة لا يعاني فيها أي شخص آخر من المرض.
أعراض الأرق العائلي المميت ومراحله
تشترك أمراض البريون في مجموعة من الأعراض الشائعة، من ضمنها التعب والخمول، والتدهور المعرفي (وضمن ذلك الارتباك، وفقدان الذاكرة على المدى القصير، والخرف)، والهلوسة، وتصلب العضلات، والتغيرات في القدرة على المشي والتحدث.
ولكن كما لا يتم الإصابة بجميع أمراض البريون بالطريقة نفسها، لا تحمل جميعها الأعراض نفسها.
الأرق هو العلامة المبكرة، وهي السمة المميزة للأرق العائلي المميت. لكن اضطرابات دورة النوم ليست المشكلة الوحيدة التي يعاني منها المصابون بهذا المرض. إذ يمر بأربع مراحل متميزة مع تقدمه.
عادةً ما تظهر الأعراض الأولى لهذا المرض عندما يكون الشخص في منتصف العمر، أي نحو عاماً (على الرغم من أن ظهوره قد شوهد في وقت مبكر من عمر 19 عاماً وفي وقت متأخر حتى عمر 72 عاماً)، ويتطور المرض بسرعة.
في حين أن بعض الذين يصابون بالمرض قد يعيشون لمدة سنتين إلى ثلاث سنوات، قد يموت البعض الآخر في غضون عام.
تبدأ المرحلة الأولى من المرض بالأرق، الذي عادةً ما يزداد سوءاً على مدى نحو أربعة أشهر. ومع ذلك، فإن بعض المرضى لا يدركون ذلك إلا كعرض من أعراض وجود خطأ ما بعد فترة طويلة من ظهور مشاكل أخرى للمرض.
خلال هذه الأشهر الأولى، يبدأ مرضى الأرق أيضاً في تجربة مضاعفات نفسية، وضمن ذلك نوبات الهلع والبارانويا والرهاب.
خلال المرحلة الثانية، التي تستمر لدى البعض نحو خمسة أشهر، تستمر الأعراض النفسية وتتفاقم؛ يبدأ المصابون بالهلوسة ويبدأ الجهاز العصبي الودي في العمل بشكل مفرط. وهذا ما يسمى فرط النشاط الودي، ويسبب سلسلة من الأعراض التي تشمل زيادة في مستويات الكورتيزول (هذا هو هرمون التوتر في الجسم)، ومعدل ضربات القلب (عدم انتظام دقات القلب)، وارتفاع ضغط الدم، وارتفاع الحرارة والتعرق وتسرع النفس.
في هذه المرحلة، يبدأ الأرق في التسبب بمشاكل حركية نفسية مثل فقدان الذاكرة على المدى القصير، وتغيرات في الشخصية والمزاج (وضمن ذلك الاكتئاب والقلق)، والاضطرابات الحركية وضمنها تغيرات الحركة والمشية.
يحدث ذلك خلال المرحلة الثالثة من الأرق العائلي، وهي مرحلة قصيرة مدتها نحو 90 يوماً، عندما تتعطل دورة الاستيقاظ والنوم تماماً ويبدأ الأرق التام.
يتم التعرف على المرحلة الرابعة- المرحلة النهائية من المرض- من خلال التدهور المعرفي السريع والخرف. وقد تستمر هذه المرحلة لمدة تصل إلى ستة أشهر. في النهاية، يتسبب المرض في عدم القدرة على الحركة أو التحدث (الخرس اللاحركي)، تليها الغيبوبة، وفي النهاية الموت.
التشخيص والعلاج
الأرق مجرد عرض من أعراض المرض الذي يسبب في الأصل تغييرات سلبية بالجهاز العصبي المركزي (الدماغ والحبل الشوكي)، وضمن ذلك الموت للخلايا العصبية المهادية الأمامية البطنية والظهرية المتوسطة. وهي المسؤولة عن إدارة الوظائف الحركية وحمل المعلومات الحسية. عندما تموت خلايا الجهاز العصبي هذه، للأسف لا يتم استبدالها بخلايا جديدة وصحية. بدلاً من ذلك، تشكل الخلايا الدبقية- الخلايا الداعمة التي تساعد الخلايا العصبية على التواصل وتعمل أيضاً كخدمة تنظيف للجهاز العصبي المركزي- نسيجاً ندبياً في المهاد، وهو ما يسمى الدباق. لا يمكن للأنسجة الندبية أداء الوظائف المهمة للخلايا العصبية التي ماتت، وبدون نظام عصبي مركزي سليم، يبدأ الجسم في التدهور.
يعد تشخيص الأرق العائلي قبل ظهور الأعراض أمراً صعباً، ويتضمن اختبارات جينية، إضافة إلى اختبارات الدم، والبزل الشوكي والفحوصات العصبية وفحوصات العين.
وقد اكتشف الباحثون أن موجات الدماغ للأشخاص الذين تظهر عليهم أعراض المرض لا تتبع أنماط النوم الطبيعية. في وقت مبكر يصل إلى بضعة أشهر من بداية المرض، يبدو أن الأرق العائلي المزمن يتسبب في إبطاء النشاط الكهربائي بالدماغ وتخطي خطوات مهمة في دورة النوم. على وجه الخصوص، نوم حركة العين السريعة العميق، والذي يتقدم في النهاية نحو فترات نوم أقصر فأقصر كل يوم.
مع الأسف لا يوجد علاج لهذا المرض. أفضل رعاية متاحة هي الرعاية التلطيفية، التي تستهدف تحسين نوعية حياة المريض من خلال إدارة الأعراض المتفاقمة والمعيقة بدلاً من علاج المرض.
مع ذلك، ما زال الباحثون يجرون الأبحاث والتجارب السريرية لتطوير علاج فعال، وتظهر بعض النتائج الأولية أنه قد تكون هناك بعض العلاجات التي تستحق مزيداً من البحث؛ لقدرتها المحتملة على تخفيف الأعراض وربما إطالة عمر مرضى الأرق العائلي المميت.