هل تصبح موانئ العراق حلا لمأزق البحر الأحمر؟
أعلنت وزارة النقل العراقية استعداد ميناء “أم قصر” لاستقبال أعداد متزايدة من الحاويات في ظل التوتر الحاصل في البحر الأحمر.
ويتزامن الإعلان العراقي مع قرار عدد من شركات وهيئات ملاحة بحرية دولية وعالمية بإيقاف وتعليق وتغيير مسار مرور سفنها عبر البحر الأحمر في أعقاب هجمات شنتها جماعة “الحوثي” على سفن قالوا إنها متجهة لإسرائيل.
واتجهت بعض هذه الشركات إلى الطريق القديم الطويل الذي كان تستخدمه سفن نقل البضائع، ويسمى “رأس الرجاء الصالح”، قبل شق قناة السويس عام 1985.
استعدادات “أم قصر”
ذكر المدير العام للشركة العامة لموانئ العراق فرحان الفرطوسي أن “وزير النقل رزاق محيبس السعداوي وجه بضرورة استعداد موانئ (أم قصر) العراقية لأية حاجة فعلية أو دولية لاستقبال أعداد متزايدة من الحاويات بعد التوتر الأمني في البحر الأحمر وتعليق عديد من كبريات شركات النقل العالمية مسارات طرقها، وخصوصاً تلك التي تنقل البضائع من أوروبا نحو الخليج العربي وشرق آسيا والعكس”.
وأضاف الفرطوسي في بيان أن “العراق وبسبب موقعة المميز الرابط ما بين الشرق والغرب، يعد حالياً من أكثر طرق النقل سهولة وأماناً، إذ نتوقع أن تكون هناك حركة كبيرة لمناولة الحاويات في ميناء (أم قصر) خلال الفترة المقبلة”، مؤكداً أن “الموانئ العراقية مستعدة لزيادة في العمليات”.
وأضاف أن “الموانئ العراقية أصبحت فعلياً في موقع (ترانزيت) مهم لنقل البضائع من أوروبا عبر ميناء (مرسين) التركي ومنه إلى العراق وصولاً إلى الخليج وشرق آسيا، وبالعكس بالنسبة إلى البضائع الصينية نحو أوروبا”.
وتابع أن “هذا الأمر يبين بشكل واضح أهمية مشروعي ميناء (الفاو) الكبير و(طريق التنمية) الذي يقوم العراق بتنفيذهما، إذ أصبحا مطلباً دولياً بل وضرورة ملحة حتى تكون طرق الملاحة والنقل البحري في العالم آمنة”.
ويعد ميناء “أم قصر” الذي يطل على الخليج العربي من أهم الموانئ العراقية حالياً، ويمثل الروح الأساسية للاقتصاد العراقي والحركة التجارية في عموم البلاد، وتمر عبره 70 في المئة من التجارة الخارجية للعراق، ويحتوي على 25 رصيفاً بطاقة قصوى 9 ملايين طن من البضائع سنوياً، وهو يعمل إلى جنب عدد من الموانئ العراقية لكنه أصغر منها حجماً، وأهم هذه الموانئ حالياً “خور الزبير” الذي يعد من أكبر الموانئ العراقية، وشيد عام 1947 ويتكون من 13 رصيفاً، وتم تغيير تصنيفه إلى ميناء نفطي عام 2021، مع استثناء الرصيف البحري رقم 9 ليبقى رصيفاً خاصاً بالبضائع التجارية والاستيراد والتصدير، فضلاً عن ميناء “أبو فلوس” وهو من أصغر الموانئ العراقية، إذ يتكون من ثلاثة أرصفة ويستقبل السفن والقوارب الصغيرة.
وينتظر العراق إكمال إنشاء ميناء “الفاو” الكبير، الذي وضع حجر الأساس له عام 1921، وتنتهي مراحله الثلاث عام 2038 بطاقة تصميمة تبلغ 99 مليون طن سنوياً، في ما يتوقع إكمال مرحلته الأولى عام 2025، ويستهدف الميناء أن يكون معبراً للبضاعة القادمة من آسيا إلى أوروبا على أن تنقل البضائع بعد تفريغها بأرصفة الميناء عبر طريق بري داخل الأراضي العراقية بمسافة 1200 كيلو متر ليدخل بعدها الأراضي التركية ومن ثم إلى أوروبا بعد وصول البضائع إلى الميناء بطريق أطلق عليه تسمية “طريق التنمية”.
وبحسب ما أعلنته الحكومة العراقية، فإن “طريق التنمية” المرتقب يتضمن إنشاء قطارات عالية السرعة لنقل البضائع بسرعة تبلغ 140 كيلو متراً في الساعة، فضلاً عن طريق بري مخصص للشاحنات وتقدر الكلفة الكلية للمشروع بـ17 مليار دولار.
خطوة مبكرة
وينظر بعض المتخصصين في الشأن الاقتصادي إلى الخطوة العراقية باستقبال الشحنات العالمية المتجهة نحو أوروبا بالـ”مبكرة”، نظراً إلى عدم قدرة الموانئ العراقية الحالية على استقبال العدد الهائل من الشحنات العالمية.
يقول أستاذ الاقتصاد في جامعة “المعقل” نبيل المرسومي، إن الموانئ العراقية تلبي الاحتياجات المحلية لاستيراد البضائع ولا تستطيع أن تتحول إلى معبر لها نحو دول العالم إلا باكتمال ميناء “الفاو” بمراحله الثلاث، حينها من الممكن أن يصبح العراق أحد روافد استقبال البواخر والحاويات التي كانت تتجه إلى أوروبا عبر البحر الأحمر.
وأشار إلى وجود مشكلة في قناتين رئيستين في العالم، هما قناة “بنما” بسبب انخفاض منسوب المياه فيها بعد التقلبات المناخية، فضلاً عن شلل في قناة السويس بسبب تحويل مسار الرحلات البحرية من البحر الأحمر إلى “رأس الرجاء الصالح” على رغم كلفتها العالية، وذلك بسبب طول طريق الشحن وكلف الوقود.
وخلص المرسومي بالقول إن العراق سيكون أكثر المتضررين في حال إغلاق طريق باب المندب نهائياً، فعملية تحويل طرق شحنات النفط العراقي من البحر الأحمر إلى “رأس الرجاء الصالح” نحو أوروبا وأميركا سيؤدي إلى تحمل العراق كلف نقل إضافية.
ويعتمد أغلب السفن المتجهة من أوروبا إلى آسيا طريق قناة السويس، إذ يقدر عدد السفن التي تعبر القناة بأكثر من 23 ألف سفينة، ما يقرب من 1.4 مليار طن بحسب إحصاءات لهيئة القناة عام 2022.
جزء من التجارة
أما المتخصص الاقتصادي صفوان قصي فيرى إمكان استيعاب الموانئ العراقية جزءاً من التجارة العالمية المارة عن طريق باب المندب مع تطوير سكك الحديد العراقية والطرق السريعة.
وأضاف قصي أن “20 في المئة من البضائع العالمية تمر عبر قناة السويس، والموانئ العراقية لا تستطيع استيعاب هذا الرقم، لكن موانئ الخليج وإيران من الممكن أن تكون بديلاً”، مشيراً إلى أن ارتفاع كلفة انتقال السلع يؤدي إلى أعباء مالية إضافية، فضلاً عن كلف التأمين التي بموجبها ستزداد أسعار البضائع التي تصل في النهاية إلى المستهلك.
ولفت إلى أنه على المديين المتوسط والبعيد ستزداد حجم التجارة بين آسيا وأوروبا، مما يسمح بانتقال البضائع عبر الأراضي العراقية بعد استكمال “طريق التنمية”، موضحاً أن الدول العربية ستكون من الدول المتضررة جراء استهداف تلك السفن بسبب ارتفاع الكلف، لأننا نستورد معظم الأشياء، على حد قوله.