ما الذي يخشاه جيش الاحتلال على الجبهة مع لبنان؟
يتواصل التصعيد الميداني بين الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله اللبناني على الحدود مع لبنان، فيما بدا أن دائرة الاستهداف الإسرائيلية تتسع يوما بعد يوم حتى جاوزت شمال نهر الليطاني بضعة كيلومترات.
وركز الاحتلال عملياته الدقيقة فاغتال شخصيات بارزة في كادر حزب الله الميداني، أبرزهم حسام طويل (الحاج جواد)، أحد قادة “قوة الرضوان” الذي اغتيل في 8 يناير/كانون الثاني 2024.
كما سحب الاحتلال من قطاع غزة جميع عناصر الفرقة الـ36 التي تضم لواء غولاني، واللواء 188، واللواء السابع من سلاح المدرعات والمدفعية والهندسة، وربط المراسل العسكري لموقع “والا” الإلكتروني أمير بوحبوط ذلك بسعي الاحتلال “للحفاظ على كفاءة القوات في ظل التهديدات على الجبهة الشمالية مع لبنان”.
ورغم موازنة حزب الله بين الحفاظ على مستوى الردع دون الذهاب إلى الحرب المفتوحة، فإن تداعيات عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي تعزز مخاوف الاحتلال من تكرار الحدث على جبهته الشمالية، ولذا تقوده نحو المواجهة أكثر فأكثر.
ما الذي تغير؟
يطرح الحديث عن مواجهة محتملة بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي تساؤلات عديدة، لعل أبرزها هي المتعلقة بالأخطار التي تخشاها تل أبيب خلال أي مواجهة في الشمال على المستويين العملياتي والإستراتيجي.
وفي ورقة بحثية بعنوان “اليوم التالي للحرب”، يرى معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أن من شأن هذه المواجهة أن تفرض على الاحتلال تحديات جديدة وأصعب من تلك التي عرفها في حربه الجارية على غزة، أو في مواجهات سابقة مع حزب الله، الأمر الذي سيؤثر على طبيعة الحرب إن اندلعت.
وأصبح هذا المحور في السنوات الأخيرة تحالفا متماسكا من كيانات ذات قدرات عسكرية كبيرة، رأس حربتها حزب الله وتعمل بتنسيق متكامل مع الحرس الثوري الإيراني.
قدرات حزب الله
يعتبر حزب الله أحد أقوى المنظمات شبه الحكومية في العالم، وقد حصل في العقد الأخير على قدرات نارية كبيرة ومتنوعة.
ويقدر معهد دراسات الأمن القومي مخزون حزب الله من الصواريخ بنحو 150 ألف صاروخ من المدى القصير والمتوسط والطويل، يمكنها أن تغطي كامل فلسطين المحتلة تقريبا.
وتعاظم هذا التهديد مؤخرا إثر جهود حزب الله لتطوير مشروع الصواريخ الدقيقة، من الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز وصواريخ أرض- بحر والمسيّرات الهجومية التي كشف حزب الله عن بعضها عبر إعلامه الحربي.
وذكرت من جملة ذلك معضلة الصواريخ الموجهة المضادة للدروع، والتي بات الحزب يستخدمها كسلاح قنص فيما تعجز القبة الحديدية عن اعتراضها، كونها تطير على ارتفاع منخفض وفي خط مستقيم نحو الهدف.
المعركة بين الحروب
في المقابل، سعى الاحتلال لإيقاف تنامي قوة حزب الله عبر إستراتيجية “المعركة بين الحروب”، باستهداف مستودعاته وخطوط إمداده عبر العراق وسوريا.
كما ركز على اغتيال الشخصيات الفاعلة في هذا المشروع، وأبرزها سيد رضي موسوي أحد كبار جنرالات الحرس الثوري الإيراني الذي اغتيل في دمشق الشهر الماضي، تبعه اغتيال مسؤول المخابرات في فيلق القدس الحاج صادق ونائبه في غارة إسرائيلية على مبنى سكني في حي المزة بدمشق قبل أيام، لكن يبدو أن هذه الإستراتيجية لم تمنع الحزب بعد من تطوير قدراته ومراكمتها.
سخّر حزب الله أيضا جهودا لتطوير خياراته الهجومية البرية عبر رفع كفاءة “قوة الرضوان”، وهي فرقة نخبوية مدربة تدريبا جيدا تضم آلاف المقاتلين وفقا لشبكة “بي بي سي” الإخبارية.
ورغم كشف وتدمير الاحتلال للعديد من الأنفاق على طول الجبهة الشمالية خلال عملية “درع الشمال” في يناير/كانون الثاني 2019، فإن المهمة الرئيسية لمقاتلي “الرضوان” -وفقا لمقال الـ”بي بي سي”- هي دخول الجليل، حيث محور اهتمامه الرئيسي، وذلك على غرار ما فعلته نخبة القسام في “طوفان الأقصى”.
وقد نشرت وحدة المعلومات القتالية التابعة لحزب الله في يناير/كانون الثاني 2023 مشاهد تدريبية لمقاتلي الحزب تحاكي تسللهم إلى الأراضي المحتلة.
ماذا في جبهة الجولان؟
شكّل حضور إيران قرب الحدود السورية مع فلسطين المحتلة، عبر مستشاريها والجماعات الموالية لها، تغييرا إستراتيجيا كبيرا.
ورغم الاستهدافات المتكررة ضمن “المعركة بين الحروب” والتي مكّنت إسرائيل من تقويض جهود إيران لإقامة قواعد عسكرية على الساحة السورية، فإنها لم تمنعها من نشر بطاريات صواريخ أرض- أرض وطائرات مسيّرة هجومية، فضلا عن العشرات من المستشارين الإيرانيين وعشرات الآلاف من المقاتلين الموالين لها، وفقا لفرزين نديمي الباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية في معهد واشنطن للدراسات.
تحديات إستراتيجية
تخشى إسرائيل بشكل أساسي من حرب متعددة الجبهات، والتي ستشمل قتالا متزامنا في الساحات القريبة والبعيدة.
ففي حربه على غزة، يستطيع جيش الاحتلال تحديد محاور القتال وجبهاته الأساسية والثانوية وتحديد أولوياته وتوزيع الاهتمام والموارد. ولكن في حرب واسعة النطاق، سيجد صعوبة في السيطرة على حدود الحرب ومدتها، وإذا اندلعت حرب مفتوحة في الشمال فلن يتمكن من منع مجاميع “محور المقاومة” المتمركزة في ساحات أخرى من الانضمام إلى المعركة.
في مواجهة كهذه، سيحاول حزب الله مثلا العمل من الجولان السوري وقد تتدخل حينها المجموعات الموالية لإيران في سوريا وربما في غرب العراق أيضا، وقد تحاول إيران في هذه الظروف جر النظام السوري إلى القتال أيضا.
وهذا السيناريو يضعه جيش الاحتلال في الحسبان، حيث أجرى مناورات برية شمال مرتفعات الجولان في يوليو/تموز 2023، أي قبل 3 أشهر من عملية “طوفان الأقصى”!
وتشمل هذه الأضرار قدرات إسرائيل الحيوية، من خلال ضرب منشآت جيش الاحتلال الرئيسية مثلا (المقر الرئيسي، قواعد سلاح الجو، مراكز تعبئة قوات الاحتياط)، والبنى التحتية الإستراتيجية والخدمات الحيوية (الموانئ البحرية والجوية، مرافق الطاقة والمياه والنقل).
يضاف لهذا استهداف مقرات حكومة الاحتلال، والمرافق الاقتصادية والمراكز السكانية، وستهدف مثل هذه التكتيكات إلى تقويض شعور الإسرائيليين بالأمن والقدرة على البقاء في الأراضي المحتلة.
خيارات المواجهة
قد يلجأ الاحتلال الإسرائيلي إلى خطوات تتسم بكونها “استباقية” و”حذرة” في آن معا، خاصة أن الفشل الميداني في غزة كلف جيشه الكثير على كافة المستويات.
وأمام هذه التحديات، فإنه سيحافظ بالدرجة الأولى على إستراتيجيته الحالية لتأخير وتعطيل مراكمة قوة حزب الله في لبنان وسائر وكلاء إيران في سوريا عبر “المعركة بين الحروب”. بيد أن فشل الجهود الدبلوماسية يرفع احتمالية شن عملية عسكرية في الداخل اللبناني لخفض مستوى التهديد الذي يشكله حزب الله، مع المجازفة بتدهور الوضع إلى حرب أوسع نطاقا.
وأكد التزام الاحتلال بإعادة مستوطني الشمال إلى بيوتهم. كما قالت هيئة البث الإسرائيلية إن تل أبيب أبلغت واشنطن أنها ستقوم بعمل عسكري في لبنان ما لم تبعد “قوة الرضوان” عن الحدود.
ورغم العديد من الحسابات العقلانية التي يفترض أنها تبعد إسرائيل عن خطوات كهذه، فإن الأزمة الداخلية التي يمر بها نتنياهو وحكومته وقادة جيش الاحتلال قد تجنح بهم نحو خطوات متهورة، يظنون أنها قد تعطيهم إنجازات معينة لتعويض فشلهم في غزة.