المال مقابل المياه.. هل يطيح القرار الحكومي بالزراعة العراقية؟

المال مقابل المياه.. هل يطيح القرار الحكومي بالزراعة العراقية؟

مع اقتراب موعد تنفيذ قرار مجلس الوزراء، القاضي باستحصال “أجور السقي” من الفلاحين مقابل توفير المياه لهم، برزت ردود أفعال غاضبة، سواء من الجمعيات الفلاحية أو من المتخصصين والمزارعين أنفسهم، إذ أشكلوا على جبي الأجور مقابل الحصول على المياه فقط دون إرفاقها بمشاريع أو خدمات أخرى مثل نصب المضخات أو الأنابيب وغيرها، كونها “هبة عامة للسكان”، محذرين من أن يتسبب القرار بهجرة المزيد من الفلاحين.

وكانت وزارة الموارد المائية، أعلنت في 26 تشرين الثاني نوفمبر الماضي، عن إعادة تفعيل قانون أجور سقي الأراضي الزراعية، مبينة أن القانون سيسهم بتعزيز الواردات غير النفطية وضمان إيصال المياه لجميع المستحقين وبعدالة، مبينة أن الأموال التي سوف يتم استحصالها من أجور السقي ستذهب إلى الاستثمار في تطوير المشاريع الإروائية.

وحول هذا الأمر، تقول نائب رئيس لجنة الزراعة والمياه والأهوار النيابية، زوازن كوجر، خلال تصريح صحفي إن “قرار مجلس الوزراء باستيفاء أجور السقي من أصحاب الأراضي الزراعية، سيكون بتعريفة ملائمة ومناسبة للمزارع والفلاح، وأن الدفع سوف يكون إلكترونيا، والجباية بأسعار ملائمة للوضع الراهن، والظروف التي يمر بها القطاع الزراعي وظروف المزارع والفلاح أيضا”.

وتضيف كوجر، أن “هذه الجباية ستعود بالفائدة للوزارة والمزارعين أيضا، كذلك سوف تكون الأجور منخفضة للذين يستخدمون تقنيات ووسائل الري الحديثة، ولمربي الأسماك الذين يستخدمون الطرق الحديثة، وهذا يرجع لتعظيم الواردات للوزارة لتطوير وتنمية البنية التحتية من المشاريع الإروائية، وكذلك تقليل هدر المياه، وتشجيع الفلاحين على الري الحديث بطرق متطورة مع ضمان تحقيق العدالة في توزيع المياه على جميع المحافظات”، مؤكدة أن “تنفيذ هذا المشروع سيبدأ مع بداية العام المقبل”.

ويعاني العراق من أزمة كبيرة في المياه، بسبب تقليل تركيا لإطلاقات نهري دجلة والفرات وقطع إيران لمنابع الأنهر الواصلة للعراق، ما أثر بشكل كبير على الخطة الزراعية للموسم الماضي، فضلا عن تأثيره على الأسماك، حيث ارتفع اللسان الملحي وأدى لنفوق كميات كبيرة في أحواض الأسماك بمحافظة البصرة مطلع شهر آب اغسطس الماضي.

وكان وزير الموارد المائية مهدي رشدي، هدد في تموز يوليو الماضي، باللجوء إلى المؤسسات الدولية لاستحصال حقوق العراق المائية من إيران، مؤكدا أن الجانب الإيراني لم يبد أي تجاوب معنا ومازال يقطع المياه عن أنهر وجداول سيروان والكارون والكرخة وألوند، ما سبب أضرارا جسيمة لسكان ديالى التي تعتمد بشكل مباشر على المياه القادمة من إيران، منتقدا رفض إيران عقد اجتماع كان مقررا في منتصف حزيران يونيو الماضي، وتم تأجيله بسبب الانتخابات الإيرانية.

من جانبه، يؤكد رئيس اتحاد الجمعيات الفلاحية، وليد الكريطي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هناك شح مياه خانق، وهو ليس وليد اليوم، بل من سنين سابقة، وقد أصدر مجلس الوزراء توجيها بأن تكون جباية الأموال من الفلاحين والمزارعين بحسب استصلاح الأراضي، كأن تكون مستصلحة أو شبه مستصلحة أو آبارا ارتوازية”.

ويشير الكريطي، إلى “وجود اعتراضات كبيرة جدا على هذا القرار، من قبل الجمعيات الفلاحية، لأنه لا يخدم الفلاح أو المزارع، حيث لا توجد ثقة بينه وبين الحكومة بشأن تطبيق القرار”.

ويوضح أن “تسعيرة المياه تختلف حسب استصلاح الأرض، حيث يوجد فرق بين الأرض المستصلحة وغير المستصلحة، وبين الأرض التي تعتمد على السقي بالمرشات، كما حددت وزارة الموارد المائية تقريبا ستة آلاف دينار للدونم الواحد في الأرض المستصلحة، وأربعة آلاف دينار للدونم الواحد في الأرض غير المستصلحة، و2000 دينار للدونم الواحد التي تعتمد في السقي على الآبار”، مبينا أنه “عندما يتم تطبيق هذا القرار سوف تكون الجباية من قبل وزارة الموارد المائية”.

يذكر انه تم تغيير مجرى نهر الكارون في العام 2018، حين أعلن معاون وزير الزراعة الإيراني آنذاك، علي مراد أكبري، عن قطع حوالي 7 مليارات متر مكعب صوب الحدود العراقية، وتخصيص مبلغ 8 مليارات دولار لوزارات الطاقة والزراعة للتحكم بحركة المياه، وأن هذه الكميات من المياه ستستخدم في 3 مشاريع رئيسية في البلاد، منها مشروع على مساحة 550 ألف هكتار في خوزستان، و220 ألف هكتار في خوزستان أيضا وإيلام، في غرب إيران، الأمر الذي أثر على مياه شط العرب وزاد من ملوحتها، وأضر الأراضي الزراعية في محافظة البصرة.

ومنذ سنوات، تحاول تركيا استخدام مياه نهري دجلة والفرات، لتوليد الطاقة الكهربائية، فأعلنت عن تشييد عدد من السدود، بدءا من العام 2006، من خلال سد إليسو الذي دخل حيز التشغيل، عام 2018، ما حد من تدفق المياه إلى العراق، وأدى ذلك إلى تفاقم الخوف من النقص الحاد وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات اليومية للزراعة والسكان.

إلى ذلك، يبين الخبير الزراعي خطاب الضامن، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “سبب هذا القرار، هو أن الحكومة تمر بضائقة مالية بسبب التوسع في الإنفاق العام، حيث تم تعيين أكثر من مليون مواطن في دوائر الدولة كموظفين في العامين الأخيرين، بالإضافة إلى مشاريع البنى التحتية، وهذا تسبب بعجز كبير في الأموال، إذ يعد هذا الإنفاق هو الأكبر تقريبا على مستوى الحكومات المتعاقبة”.

ويرى الضامن، أن “التحركات الحكومية على الموارد المائية تهدف لزيادة الإيرادات العامة، فالحكومة لجأت إلى الضرائب والرسوم ووجدوا هنالك قرارات سابقة تابعة إلى النظام السابق باستحصال أجور السقي من الفلاحين، والمنطق يقول عندما تقوم الحكومة بتوفير مياه الري عن طريق مشاريع معينة مثل نصب المضخات والأنابيب وغيرها من الخدمات فإنه يحق لها أخذ رسوم لقاء هذه المعدات، وليس مقابل توفير المياه فقط، فالمياه هبة عامة للسكان، ومن غير الممكن أن تستحصل منها على جباية”.

ويستطرد أن “مثل هكذا قرارات تؤثر سلبا على الفلاح والمزارعين وتسبب هجرة داخلية، ويكون هناك تخوف لدى الفلاح من الجباية المفروضة من الدولة، وبالتالي سوف ينقص المنتج المحلي ويتم الاعتماد على المستورد، كما أن الفلاح يواجه تحديات كبيرة في عدة مجالات منها تكاليف الإنتاج والبذور والأسمدة واللقاحات وغيرها من التحديات”.

وسجلت منظمة الهجرة الدولية في تقرير أصدرته خلال نيسان أبريل 2024، ذكرت فيه أن التغير المناخي والتدهور البيئي الذي شهده العراق تسبب بحالات نزوح بين المجتمعات الريفية إذ توجه الآلاف إلى مراكز المدن لغرض الاستقرار.

ورصدت المنظمة من منتصف أيلول سبتمبر 2023 نزوح أكثر من 21 ألفا و700 عائلة بواقع 130 ألفا و788 فردا، أغلبهم من المحافظات الجنوبية، وما تزال هذه المناطق في حالة نزوح بسبب حالات التغير المناخي، وكانت ذي قار الأكبر عددا بحالات النزوح إذ وصل عددهم إلى 7890 عائلة، تليها ميسان، ومن ثم النجف.

تابعونا عبر تليغرام
Ad 6
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com