إيران: من الإستراتيجية الثورية إلى الانكفاء القومي

إيران: من الإستراتيجية الثورية إلى الانكفاء القومي

على مدى أكثر من أربعة عقود، تبنت الجمهورية الإسلامية في إيران استراتيجية قائمة على المقاومة والتوسع الإقليمي، حيث سعت إلى تعزيز نفوذها في المنطقة من خلال دعم الحلفاء والجماعات المسلحة في أماكن مثل لبنان وسوريا والعراق واليمن. غير أن هذه السياسة تشهد تحولًا ملحوظًا، إذ يبدو أن طهران باتت أكثر ميلًا إلى تبني نهج قومي يرتكز على المصالح الوطنية بدلاً من الأيديولوجيا الثورية العابرة للحدود.

تحولات في الخطاب السياسي

في السنوات الأخيرة، بدأ المسؤولون الإيرانيون في إعادة تعريف أولوياتهم الاستراتيجية، مع التركيز المتزايد على الأمن القومي والاقتصاد الداخلي. وقد تراجع الخطاب الثوري الذي كان يروّج لـ”تصدير الثورة” لصالح خطاب قومي يؤكد على ضرورة حماية وحدة إيران واستقلالها.

هذا التحول لم يأتِ من فراغ، بل جاء نتيجة ضغوط متزايدة، من بينها:

  • الأزمات الاقتصادية الناجمة عن العقوبات الغربية وسوء الإدارة.
  • التوترات الإقليمية التي استنزفت الموارد الإيرانية، لا سيما في سوريا والعراق.
  • تصاعد الاستياء الشعبي داخل إيران، حيث باتت قطاعات واسعة من المجتمع تطالب بالتركيز على تحسين الأوضاع المعيشية بدلاً من الإنفاق على مغامرات خارجية.
  • المتغيرات الجيوسياسية العالمية، مثل صعود قوى جديدة وإعادة ترتيب التحالفات في الشرق الأوسط.

من الأيديولوجيا إلى الواقعية السياسية

مع أن المؤسسة السياسية الإيرانية لا تزال ترفع شعارات المقاومة، إلا أن نهجها بات أكثر براغماتية. فمثلاً، شهدت السياسة الإيرانية تجاه السعودية ودول الخليج تحولًا ملحوظًا، حيث اتجهت طهران إلى تطبيع العلاقات بدلاً من تأجيج الصراعات، وهو ما انعكس في الاتفاق الذي تم التوصل إليه بوساطة الصين لاستئناف العلاقات بين إيران والسعودية عام 2023.

في الوقت ذاته، ورغم استمرار دعم طهران لحلفائها الإقليميين مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، إلا أن هذا الدعم بات أكثر حذرًا وانتقائية، نظرًا للتكاليف الاقتصادية والسياسية التي تترتب عليه.

انعكاسات التحول على الداخل الإيراني

يترافق هذا التغيير في السياسة الخارجية مع تحولات داخلية مهمة. فبدلاً من الخطاب الإسلامي العابر للحدود، نشهد صعودًا للخطاب القومي الذي يعزز فكرة أن إيران يجب أن تركز على مصالحها الوطنية قبل أي شيء آخر.

ومع ذلك، لا يعني هذا التحول التخلي الكامل عن الطموحات الإقليمية، بل هو محاولة لإعادة التوازن بين الواقعية السياسية والأيديولوجيا.

إلى أين تتجه إيران؟

يبقى السؤال الأساسي: هل يمثل هذا التحول إعادة تموضع استراتيجي طويل الأمد، أم أنه مجرد تكتيك مرحلي استجابة للضغوط؟

  • إذا استمرت الأزمات الاقتصادية والاحتجاجات الداخلية، فقد تضطر الحكومة الإيرانية إلى المضي قدمًا في سياسات أكثر انكفاءً على الداخل.
  • أما إذا نجحت في تجاوز التحديات الداخلية، فقد تعود مرة أخرى إلى تبني نهج أكثر انخراطًا في الشؤون الإقليمية.

في نهاية المطاف، يبدو أن إيران لم تتخلَ تمامًا عن طموحاتها الإقليمية، لكنها تعيد النظر في كيفية تحقيقها. وبينما تسعى إلى التكيف مع التحديات المتغيرة، تبقى المصالح القومية هي المحرك الأساسي في تحديد مسار سياستها المستقبلية.

تابعونا عبر تليغرام
Ad 6
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com