العراق وإسرائيل.. السلام المستحيل

العراق وإسرائيل.. السلام المستحيل

أ.م.د. حامد العلي _ باحث متخصص في الشأن الإسرائيلي

لم يكن العداء الإسرائيلي للعراق وليد العهد الراهن, وإنما عداء تعود جذوره إلى العام 587 ق.م, حين تم تدمير يهوذا أمام البابليين, ومن ثم عمليات جلائهم على يد نبوخذ نصَّر الذي يعدّه العراقيون باني مجدهم وإنهم أحفاده, مع ايمانهم المطلق بأنَّ الحرب المستقبلية والحتمية مع إسرائيل وإخراجهم من فلسطين, هي قَدَرهُ الذي سيلاقيه عاجلاً أم آجلاً. ويوضح ذلك الفهم برنارد لويس ذاكراً أنه ليس من الغريب أنَّ العراقيين يعودون بشكلٍ متكرر إلى هذا المفهوم, وغالباً ما كانوا يشيرون إلى نبوخذ نصَّر كبطل عراقي, قاد بنفسه معالجة سريعة للمشكلة اليهودية في أيامه. وهذا له مدلوله الديني أيضاً في كتابات اليهود التي تشير إلى أنَّ خراب إسرائيل سيكون على يد رجال يخرجون من أرض بابل. وهنا كان الخوف من حدود التماس مع العراق حاضراً منذ بداية تأسيس أول حكومة إسرائيلية, وأوضح ذلك بن غوريون الذي حذَّر من أن قيام دولة فلسطينية مستقلة غرب نهر الأردن كان أقل خطورة من قيامها عبر النهر، مما يجعلها تتصل مستقبلاً بالعراق.

لا يخفى لدى الكثير أنَّ للعراق تاريخاً طويلاً من العداء للوجود اليهودي في فلسطين، وأنه يتبنى في السر والعلن توجهات مناهضة للصهيونية. وإنه حسبما وصفه ديفيد دي نيوسم (وكيل وزارة الخارجية الأمريكية آنذاك) يُمثّل مشكلة من نوع خاص لأنه من أكثر الدول العربية تصلباً إزاء الصراع مع إسرائيل. ولم يهدأ القلق الإسرائيلي حتى بدأت بوضع استراتيجية خاصة لهذا الخطر, والتي جاءت في خطة عوديد اينون التي وصفت العراق بأنه المرشح الأكبر للأهداف الإسرائيلية والأكثر خطراً عليها, وأن تفتيته وتشتيت قوته العسكرية يعد أكثر أهمية من أي دولة أخرى. وهنا بدأت دعوة مناحيم بيغن حينها لضرورة تقسيمه إلى ثلاث دويلات، واصفاً إياه بالعدو الأكبر.

تجددت الدعوات لوضع استراتيجية كفيلة بمواجهة التحديات التي تهدد أمن إسرائيل, مستندة الى تقرير سابق لشعبة الاستخبارات العسكرية الذي أوضح فيه أنَّ غياب العراق عن خارطة المنطقة بمساحته الحالية، سيكون أحد العوامل المهمة في تقليص المخاطر الاستراتيجية لإسرائيل، وإنَّ العالم العربي بدون العراق الموحد هو الأفضل.

وتمهيداً لحشد التأييد لتنفيذ ما تتطلع اليه إسرائيل, ظهر نتانياهو مجدداً في 27 سبتمبر من العام الماضي واصفاً العراق بمحور الشر وحجر العثرة أمام مشاريع السلام حسب زعمه, وقد استخدم هذا الوصف لتوظيف الدين في خدمة اغراضه الرامية لاستهداف العراق, والتي ستكون مقدّمة لتحقيق النبوءات لدى اليهود بعد أن جاء في التوراة حسب عقيدتهم “أن قتل شعب بابل الملعونة مقدّمة لبناء الهيكل، وبناء الهيكل مقدّمة لمعركة هرمجدون”. تلك المعركة التي ستقوم بين محور الخير الذي تمثله الولايات المتحدة وإسرائيل ومحور الشر الذي يمثله الأعداء حسب زعمهم.

وعلى الرغم من تصريحات إسرائيل العدائية تجاه العراق, والتي كان آخرها لوزير الخارجية جدعون ساعر في 18 نوفمبر من العام الماضي, الذي وصف المجامع المسلحة فيه بأنها تهدد أمن إسرائيل وأن الأخيرة تتمتع بحق الرد في الدفاع عن نفسها. إلا أنَّها في الحقيقة تخشى فتح جبهة العراق ضدَّها، لما له من تأثير على استمرارها وتحوّلها إلى حرب استنزاف طويلة لا تستطيع إيقافها بفضل انعدام التناسب وقصور قدرة إسرائيل على الامتصاص والبقاء, وهذا ما جعلها تمارس التحريض والتهديد من خلف الستار.

هذه بعض التوجهات المعلنة تجاه العراق وما خفي كان أعظم, ولعلها تعطي العراقيين القناعة بأن إسرائيل لم ولن تبحث عن السلام معهم, لا سيما وأن استراتيجيتها الدينية والسياسية مبنية على أنه جزء من أرضها الموعودة وفق عقيدتهم التوراتية التي بنيت على زعمهم في وعد الرب لإبراهيم “لنسلك أعطي هذه الأرض من النيل الى الفرات”. وشكَّل هذا المفهوم حجر الزاوية الذي ترتكز عليه الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه العراق منذ نشوء الحركة الصهيونية وحتى يومنا هذا.

تابعونا عبر تليغرام
Ad 6
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com