الاستسلام أم التصعيد؟ ماذا نتوقع مع تحذير ترامب لإيران؟

الاستسلام أم التصعيد؟ ماذا نتوقع مع تحذير ترامب لإيران؟

دعا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم الاثنين، إيران إلى وقف دعمها للحوثيين في اليمن، مؤكدًا – بعبارات قاطعة – أنه سيُحمّل طهران مسؤولية أي هجمات تُنفّذها.

الحوثيون هم جماعة شيعية، تخوض حرباً أهلية في اليمن منذ عام 2014، وتسيطر الجماعة على مساحات شاسعة من البلاد التي مزقتها الصراعات، بما في ذلك العاصمة صنعاء.

وكتب ترامب على منصته “تروث سوشيال”: “سيُنظر إلى كل طلقة يُطلقها الحوثيون، من الآن فصاعداً، على أنها طلقة أطلقتها أسلحة وقيادة إيران، وستُحمّل إيران المسؤولية، وستُعاني من عواقب وخيمة!”.

ولطالما أنكرت إيران أي نفوذ لها على المتمردين الحوثيين، لكن الخبراء يقولون إن هناك صلة بين طهران وجماعة حركة أنصار الله الشيعية.

وقال حميد رضا عزيزي، الخبير في الشؤون الإيرانية بالمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية: “إلى جانب الجماعات الموالية لإيران في العراق، يُعدّ الحوثيون من آخر الجماعات التابعة لإيران في المنطقة”.

وأضاف: “بناءً على المحادثات التي أتابعها في إيران، يبدو أن بعض صناع القرار في طهران يريدون من الحوثيين الرد على أي هجوم أمريكي بحزم وعدم إظهار الضعف”.

وأوضح: “من وجهة نظرهم، ستفقد طهران ثقلها الاستراتيجي في مواجهة الولايات المتحدة في حال هزيمة الحوثيين عسكرياً. وقد تكون المحطة التالية هجوماً مباشراً على إيران”.

وبدأ الحوثيون بمهاجمة السفن بالقرب من البحر الأحمر وخليج عدن أواخر عام 2023 ردًا على الهجوم البري الإسرائيلي على غزة. ومنذ ذلك الحين، صنفت الولايات المتحدة الجماعة كمنظمة إرهابية.

وبعد فترة من الهدوء النسبي تزامنت مع وقف إطلاق النار في غزة في يناير، أعلن الحوثيون الأسبوع الماضي استئناف هجماتهم على السفن الإسرائيلية المبحرة في المنطقة، الأمر الذي دفع  ترامب إلى إصدار أمر بشن غارات جديدة على الحوثيين خلال عطلة نهاية الأسبوع.

ترامب يهدد بالحرب

ولم تستبعد طهران حتى الآن إمكانية الدخول في مفاوضات غير مباشرة مع الولايات المتحدة، وانقطعت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين منذ عام 1980 لكن يبدو أن القيادة الإيرانية تدرك المخاطر التي يشكلها الوضع الحالي.

وفي بداية مارس، صرّح ترامب بأنه بعث برسالة إلى المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، يحث فيها على إجراء محادثات جديدة بشأن البرنامج النووي للبلاد، ويحذر من احتمال اللجوء إلى عمل عسكري في حال رفض هذه المبادرة.

وقال ترامب في مقابلة مع شبكة فوكس بيزنس الأمريكية: “هناك خياران: العمل العسكري أو حل تفاوضي”. وأكدت طهران استلامها رسالة ترامب، لكنها لم تُصدر أي رد رسمي عليها.

وصرح إسماعيل بقائي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، يوم الأحد، بأن طهران لا تزال تدرس ردها. وأضاف أن السلطات الإيرانية لا تنوي الكشف عن محتوى رسالة ترامب.

وقال عزيزي، الخبير في مركز أبحاث السياسة الخارجية والأمنية: “لا نعرف بالضبط ما ورد في الرسالة. لكن الإشارات الصادرة من طهران متناقضة”.

وأضاف: “بينما يواصل خامنئي رفض المحادثات المباشرة مع الولايات المتحدة، يبدو أن طهران تريد إبقاء الباب مفتوحًا للمفاوضات غير المباشرة”، مشيراً إلى تصريح حديث لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي. وفي حديثه لصحيفة محلية مطلع مارس، قال عراقجي إن إيران تدرس قنوات اتصال غير مباشرة مع واشنطن.

وأشار عزيزي إلى أن “إيران تبدو قلقة بشأن الشروط المسبقة المحتملة التي قد تضعها إدارة ترامب لمثل هذه المحادثات”، مشيرةً إلى أن واشنطن قد تطالب طهران بوقف دعمها لوكلائها الإقليميين، وإنهاء برامجها النووية والصاروخية.

وأكد أن مثل هذه الشروط غير مقبولة بالنسبة لإيران. وقال: “أعتقد أن إيران تريد إجراء محادثات مع الولايات المتحدة، ولكن دون أي شروط مسبقة”.

وأضاف: “في هذا السياق، ينبغي التأكيد على أهمية الاجتماع الثلاثي بين إيران والصين وروسيا. تريد طهران ضمان دعم روسيا والصين لحصر المحادثات في البرنامج النووي، وفي الوقت نفسه، إرسال إشارة إلى الولايات المتحدة بوجود شركاء بديلين لها”.

بكين وموسكو تتقاربان مع طهران

وفي الأسبوع الماضي، أجرى دبلوماسيون كبار من إيران وروسيا والصين محادثات في العاصمة الصينية، حيث دعمت كل من موسكو وبكين إيران ووصفت العقوبات الغربية المفروضة عليها بأنها “غير قانونية”. كما دعوا إلى تكثيف الجهود الدبلوماسية لحل النزاع حول البرنامج النووي الإيراني.

وخلال الفترة الرئاسية الأولى لترامب، انسحبت الولايات المتحدة من جانب واحد من الاتفاق النووي الدولي لعام 2015 مع إيران. وبعد عام من الانسحاب الأمريكي، بدأت طهران في توسيع أبحاثها النووية تدريجياً. ويعتقد الكثيرون أن البلاد الآن أقرب من أي وقت مضى إلى صنع سلاح نووي.

تزايد المخاوف من الصراع

وفقًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، زادت إيران كمية اليورانيوم عالي التخصيب التي بحوزتها إلى مستوى خطير، مما يفتح الباب أمام استخدام عسكري محتمل.

وأكدت الوكالة أنه لا يوجد استخدام مدني موثوق لليورانيوم المخصب بنسبة 60%. من الناحية التكنولوجية، هناك قفزة طفيفة نسبيًا من 60% إلى 90% المطلوبة لتطوير قنبلة نووية.

وقال رافائيل غروسي، رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في بداية مارس: “إيران هي الدولة الوحيدة غير الحائزة للأسلحة النووية التي تخصب اليورانيوم إلى هذا المستوى، مما يثير قلقي البالغ”.

وأصرت طهران باستمرار على أن برنامجها النووي مخصص للأغراض المدنية. وصدر تصريحات من مسؤولين إيرانيين بضرورة تغيير السياسة النووية للبلاد، بينما ألمح آخرون إلى إمكانية تطوير أسلحة نووية.

وقال بهروز بيات، المستشار السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، لـ DW: “منذ نهاية رئاسة حسن روحاني عام 2021، اعتمدت إيران بشكل متزايد على التهديدات واستخدام برنامجها النووي كورقة ضغط”.

وأضاف: “إذا استمرت هذه الاستراتيجية، فقد يكون هناك المزيد من التصعيد. ومع ذلك، ستكون هذه الخطوة محفوفة بالمخاطر للغاية، ولكن لا يمكن استبعادها تمامًا”.

وأضاف: “ستكون الأسابيع المقبلة حاسمة. سواءً بالمفاوضات أو المواجهة، سيكون لرد طهران تأثير خطير على السلام والاستقرار في الشرق الأوسط”.

التفاوض يزيد من احتمال الهجوم

من جانبه، يحذر المحلل السياسي المقرب من معسكر التيار الأصولي المحافظ في إيران، فؤاد إيزدي، من أن التفاوض مع الولايات المتحدة قد يزيد من احتمالية تعرض إيران للهجوم.

واعتبر أن قبول شروط واشنطن سيجعل إيران أكثر عرضة للخطر. إيزادي أضاف أن الولايات المتحدة تمارس ضغوطًا على جيران إيران لقطع العلاقات الاقتصادية معها، بما في ذلك الضغط على العراق لوقف واردات الكهرباء والغاز من إيران.

حافلة الحرب

من جانبه، رأى الخبير الأمني والسياسي الإيراني الإصلاحي، حشمت الله فلاحت بشه، الثلاثاء، أن إن إيران وأمريكا قد ينجرفان إلى حرب بسبب أطراف أخرى إذا لم يتم إنشاء “طاولة حوار حمراء” بينهما.

وقال حشمت الله فلاحت بشه وهو الرئيس السابق للجنة السياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، في حديثه مع موقع “انتخاب” الإخباري، أن “غياب قنوات تواصل مباشرة بين طهران وواشنطن يزيد من خطر الانجرار إلى صراع لا علاقة لهما به”.

وأوضح أن استمرار التوتر دون حوار جاد لحل الخلافات، يبقي البلدين على “شفا الحرب”، محذراً من أن الوساطات التقليدية لم تعد كافية لتقريب وجهات النظر.

وأشار فلاحت بيشه إلى أن تعقيد الأوضاع بلغ مرحلة لم يعد فيها الوسطاء قادرين على إيجاد حلول، ما يجعل الحاجة إلى “طاولة حوار حمراء” بين الطرفين ضرورة ملحّة لتفادي كارثة محتملة.

وأعلنت القوات الجوية للجيش الإيراني، مساء الاثنين، أن طائرة التجسس الأمريكية MQ-4C انسحبت من موقعها قرب المجال الجوي الإيراني بعد مواجهة مع مقاتلات F-14 الإيرانية والطائرات المسيرة الاستطلاعية.

وأكد الجيش في بيان لها أنها على أهبة الاستعداد للرد على أي اعتداء أو اختراق لأجوائها، محذرة من أن أي تحرك عدائي سيُقابل برد “ساحق” على مصالح الأعداء في المنطقة.

بدوره، رفضت إيران بتصريحات “متهورة واستفزازية” من المسؤولين الأمريكيين، بما في ذلك الرئيس دونالد ترامب، بشأن دور طهران المزعوم في الهجمات التي نفذها الحوثيون في اليمن.

وفي رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن، أكد السفير الإيراني لدى الأمم المتحدة أن تلك التصريحات تمثل “عداء” وتنتهك القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، مبيناً أن إيران ستدافع عن سيادتها ومصالحها الوطنية بما يتوافق مع القانون الدولي.

تابعونا عبر تليغرام
Ad 6
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com