الصواريخ تعود للانطلاق من جنوب لبنان.. من يقف خلفها؟ وهل تنتقل الى جنوب سورية وغرب العراق؟ ولماذا ينأى “حزب الله” بنفسه عنها؟ وما دور اليمن في عودتها؟

الصواريخ تعود للانطلاق من جنوب لبنان.. من يقف خلفها؟ وهل تنتقل الى جنوب سورية وغرب العراق؟ ولماذا ينأى “حزب الله” بنفسه عنها؟ وما دور اليمن في عودتها؟

 

إطلاق ثلاثة صواريخ من منصّاتٍ “بدائيّة الصُّنع” جرى نصبها شمال نهر الليطاني في جنوب لبنان، باتّجاه مُستوطنة المطلة في شمال الجليل، أصاب دولة الاحتلال الإسرائيلي وقيادتها بحالةٍ من الرعب لعدّة أسباب أبرزها: أنّ “حزب الله” تبرّأ من هذه العمليّة، ونأى بالنّفس عنها لسحب الأعذار وزيادة الارتباك والقلق، وإفشال أي مُحاولة للصّدام مع الجيش اللبناني، وثانيها أنّ الصّواريخ أفشلت كُل الوعود التي قدّمتها حُكومة بنيامين نتنياهو لمُستوطني الشّمال بعودةٍ قريبةٍ إلى مُستوطناتهم في شمال فلسطين المحتلة، وثالثها وأهمّها في رأينا، احتمال تبلور وتصاعد نُشوء حركات جديدة بدون مرجعيّة سياسيّة أو عسكريّة معروفة، ترفع رايات المُقاومة، وتبدأ حيثُ توقّف “حزب الله” “مُؤقّتًا” التزامًا باحترام قرار وقف إطلاق النّار، ودعم السّلطات الرسميّة اللبنانيّة التي وقّعته بوساطةٍ أمريكيّة.

ما يُثير السُّخرية أنْ يُطالب يسرائيل كاتس وزير الحرب الإسرائيلي السّلطات اللبنانيّة باحترام بُنود اتّفاق وقف إطلاق النّار ويُهدّدها بالرّد على هذه الصّواريخ الثّلاثة “المجهولة الهُويّة” بقصف العاصمة اللبنانيّة بيروت، وهو الذي انتهك هذا الاتّفاق أكثر من 1500 مرة، وما زالت قوّاته تحتل أكثر من خمس تلال استراتيجيّة في الشّريط الحُدودي اللبناني، وتُواصل عمليّات الاغتيال لشخصيّاتٍ لبنانيّة بصفةٍ مُكثّفة وشِبه يوميّة بادّعاء أنها تنتمي إلى الجناح العسكريّ لحزب الله.

“حزب الله” كان صادقًا في رأينا عندما نأى بنفسه عن هذا الهُجوم الصّاروخي، ليس لأنّه كان لا يحمل بصماته لبدائيّة صواريخه ومنصّاته، وإنّما أيضًا لأنّ الحزب لم يُقرّر العودة عمليّاتيًّا للرّد “المشروع” على الانتهاكات الإسرائيليّة للاتّفاق، ومُواصلة اغتيال عناصره، لانشِغاله بإعادة ترتيب بيته الدّاخلي، ومُحاولة تعويض ما خسره من صواريخ ومعدّات ثقيلة بسبب العدوان الإسرائيلي الموسع الأخير، واغتيال العديد من قِيادات الصّف الأوّل العسكريّة والسياسيّة التّابعة له.

الحاضنة الشعبيّة للمُقاومة التي شرّدها العُدوان الإسرائيلي الأخير ودمّر قُراها ومُدنها جنوب نهر الليطاني وشماله، هي التي باتت تنخرط في صُفوف فصائل مُقاومة صغيرة في طور النّمو لمُواجهة الاحتلال الإسرائيلي، تمامًا مثلما كانَ عليه الحال بعد الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، وهذه الجماعات اللبنانيّة الصّرفة لا تحتاج إلى صواريخ حديثة مُتطوّرة بعيدة المدى في البداية على الأقل وتسير على نهج فصائل المُقاومة الفِلسطينيّة في قطاع غزة والضفّة الغربيّة، من حيثُ سُهولة الوصول إلى الخبرات اللّازمة لتصنيع الصّواريخ قصيرة المدى، والقاذفات المدفعيّة، وربّما المُسيّرات الانغماسيّة أيضًا، ولعلّ إعلان الجيش اللبناني عن تفكيك ثلاث منصّات صواريخ “بدائيّة” الصُّنع في قُرى مُدمّرة شمال نهر الليطاني التزامًا ببُنود اتّفاق وقف إطلاق النّار هو التّأكيد على النظريّة التي طرحناها آنفًا، وسار على هديها “حزب الله” في بداياته الأُولى.

ما نتوقّعه في الأيّام والأسابيع والشّهور المُقبلة، أن تنتقل هذه المنصّات الصّاروخيّة البِدائيّة، وربّما المُتطوّرة أيضًا، إلى أماكنٍ عديدة مُحيطة بدولة الاحتلال ليس في الجنوب اللبناني فقط، وإنّما في الجنوب السوري المُحتل أيضًا، الخارج عن سيطرة الإدارة السوريّة الجديدة في دِمشق، ووجود كُل العناصر اللّازمة بشريًّا وتسليحيًّا ودينيًّا وأخلاقيًّا، لتفعيل الجبهة السوريّة مجددًا، فهُناك أكثر من 250 ألف جُندي من عناصر الجيش العربي السوري السّابق، وأكثر من نِصفهم من رجال الأمن الذين جرى طردهم من الخدمة بتُهمة الولاء للنّظام السّابق، والأهم من ذلك أنّ هُناك مخزونًا هائلًا من الأسلحة ما زال موجود في المخابئ، ينتظر الاستخدم في المرحلة المقبلة تماما مثلما حدث في العراق وأفغانستان واليمن.

إسرائيل تُحارب على سبع جبهات في غزة والضفّة واليمن، والآن جنوب لبنان مجددًا، وربّما قريبًا على جبهتيّ إيران والعِراق، وعلينا أن نتذكّر، ونُذكّرها أنها البادئة في العُدوان وحرب الإبادة والتّطهير العِرقي في قطاع غزة، ولا تلتزم باتّفاقات وقف إطلاق النّار التي ترعاها حاميتها الأمريكيّة بوساطةٍ من دُوَلٍ عربيّةٍ بتعليماتٍ وضُغوط من واشنطن، الأمر الذي يُضفي شرعيّةً قانونيّةً وأخلاقيّةً على العودة وبقوّة إلى أعمال المُقاومة المشروعة مهما طال الزّمن وتضخّمت الخسائر، فالشّعوب الشّريفة الكريمة لا تهرب من أقدارها.
أهميّة الصّواريخ والمُسيّرات اليمنيّة الباليستيّة والفرط صوتيّة التي عادت إلى قصف يافا وحيفا وديمونا وتل أبيب ومطارها، ناهيك عن حاملات الطّائرات والسّفن الأمريكيّة في البحر الأحمر كرَدٍّ على الغارات الإسرائيليّة الجديدة على قطاع غزة، ومنع وصول المُساعدات الإنسانيّة في إطار حرب التّجويع أوّلًا، والدّفاع عن اليمن والثّأر لشُهدائه ضحايا حرب الإبادة الأمريكيّة، أهميّة هذه الصّواريخ والمُسيّرات الانغماسيّة والعُقول الجبّارة الشّجاعة التي تقف خلف مقودها تتجسّد في إعادة إحياء وحدة السّاحات بطريقةٍ عمليّةٍ ومُتدرّجةٍ، والفضْلُ كُلّ الفضْل في ذلك يعود للغُرور والغطرسة الصّهيونيّة، وتواطؤ دول عربيّة.

بالأمس المُتَجَدِّد اليمن، واليوم جنوب لبنان، وغدًا جنوب سورية، وبعد غدٍ شرق وغرب العِراق، وقريبًا سيناء.. والأيّام بيننا.

تابعونا عبر تليغرام
Ad 6
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com